مقدمة

«إن كتابة وصف لهذا الشيء موجّهٍ للعوام أمرٌ صعب جدًّا. ما من شيء يمكن ربطه به.» – ساتوشي ناكاموتو

هذا الكتاب تعلّم البيتكوين واكتسابَه هو أفضل دليل يدلّك على الأسباب التي ينبغي أن تدخل من أجلها عالم البيتكوين، وعلى الكيفية التي ينبغي أن تدخله بها. يقدم الكتاب البيتكوين بجميع حذافيره، من مقتضياته التقنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى كيفية تطوره في المشهد النقدي الحالي. يقدم الكتاب خريطة تساعدك على الإبحار في هذا العالم المالي الجديد خطوةً خطوة، وتهيّئك باقتراحات متينة بشأن حيازة البيتكوين واكتسابه وتخزينه. سيمنحك صعود سلّم السيادة المالية الحرية الشخصية والسلطة على مالك.

في هذا الكتاب، ستجد إجابات عن أسئلة ماهية النقد وأصله وتطوره التاريخي، وعن تقنية البلوكتشين والبيتكوين تحديدًا. ستجد في الكتاب إجابات عن أسباب وكيفيات استخدام البيتكوين، وهدمًا لإشاعات ومفاهيم خاطئة كثيرة تحيط بالعملات الرقمية. سأغوص في هذا الكتاب في تطور البيتكوين منذ ابتكاره عام 2008، وسأقدم إرهاصات عن التطبيقات المستقبلية للنقد القائم على البيتكوين.

في حين يظن النقّاد في عالم الاقتصاد والإعلام الغربي أن البيتكوين مجرد أداة للمضاربة، أهدف أنا في هذا الكتاب إلى نشر رسالة البيتكوين بوصفه تمكينًا للعدالة المالية والتغيير الاجتماعي. يغفل هؤلاء النقاد عن الآثار الإيجابية الواقعية التي ينتجها وجود أصل رقمي حيادي محدود العرض وغير قابل للرقابة ولا محتاج للترخيص.

بعد ذلك، سأركز على التطبيقات العملية للبيتكوين وكيفية حيازته وتخزينه على نحو آمن. ستتعلم الثقة بنفسك بالبدء بمقادير صغيرة، ثم ستتعلم اجتناب المخاطر والتقدم على نحو فعال ومخطط نحو تخزين ثروتك على المدى الطويل.

ليس هذا الكتاب نصيحة مالية ولا دليلًا للاتجار بآلاف العملات البديلة الموجودة. إذا كان اهتمامك مقتصرًا على المكاسب القصيرة المدى، وكنت كالذين يعاملون النقد كالمقامرين في دور القمار، فهذا الكتاب ليس لك. بل هو للذين يريدون أن يتعلموا البيتكوين ويكتسبوا منه ويفهموا أصوله ويقيموا سلطتهم على أموالهم بطريقة سيادية ذاتية.

تطور النقد

في 3 يناير 2009، وُلد البيتكوين. منذ تلك اللحظة، لم تزل شبكة البيتكوين النظيرية تُلحِق كتلًا جديدة بسلسلة من المعاملات كل 10 دقائق تقريبًا. تخزّن سلسلة الكتل في البيتكوين المعاملات بترتيبها الزمني الصحيح الذي لا يمكن تغييره بعد إثباته، كمرور الزمن. كما يحافظ خفقان قلوبنا على أبداننا، يحمي هذه العملية نظامٌ ترجع أُسُسه إلى علوم التعمية ونظرية الألعاب وتقنية المعلومات والشبكات اللامركزية التي تحافظ على توازن نفسها.

هذا النظام المنظم لنفسه يتصف بالأوصاف التالية:

  • معاملات البيتكوين مقاومة للرقابة.
  • البيتكوين غير قابل للتغيير.
  • البيتكوين غير قابل للتزوير.
  • معاملات البيتكوين عالية الأمان دون الحاجة إلى وسطاء (كالبنوك).
  • معاملات البيتكوين شفافة وظاهرة للعموم وقابلة للتحقق من الجميع.

يظهر الشكل [1] مقارنة بين الدفع بالبايبال والدفع بالبيتكوين. في الدفع التقليدي قد يصل عدد الوسطاء إلى سبعة حتى يصل المبلغ إلى المستلم. أما في البيتكوين فالعدد صفر.

  • البيتكوين شبكة حيادية: لا تتعامل الشبكة بالأخلاق ولا تفرق بين دفع «صالح» و«طالح».
  • البيتكوين غير محتاج إلى التراخيص: لا وجود للحرس الذين يمكن أن يمنعوا استخدامه.
  • لا حدود في البيتكوين: يمكن استعماله في جميع أرجاء العالم.
  • البيتكوين، من حيث هو بروتوكول على الإنترنت، سلعة عامة: يملكها الجميع، ولا تستبد بها أي شركة أو كيان.
  • قوانين البيتكوين يفرضها إجماع آمن برمجيًّا بين جميع الأطراف المعنية.

البيتكوين هو نقد الشعب. البيتكوين هو تطور النقد. هو استمرار العملية الأزلية لاكتشاف النقود الجديدة، هذه العملية التي لم تزل جزءًا من التاريخ البشري. على مر آلاف السنوات، وٌجدت واستعملت عدة أنواع جديدة من النقد، بدءًا من المقايضة إلى نظام الصكوك المحمية بالذهب إلى العملات الحكومية إلى نظامنا التضخمي اليوم الذي لا يحمي النقد فيه أي أصل. إن نظام النقد والمصرفية الذي نعرفه اليوم لم يزل موجودًا منذ 300 عام. لا غرابة إذن، مع نشوء نوع اتصال جديد عبر الإنترنت، ومع نشوء نوع اقتصاد جديد على الإنترنت، في أن ينشأ نوع نقد جديد على الإنترنت، هو النقد الإنترنتي.

الشكل [2] تاريخ النقد

هذا النقد التعموي القابل للبرمجة، أو «إنترنت النقد» بعبارة أندرياس أنتونوبولس، لا يمكن إيقافه. نحن على أعتاب حقبة جديدة في تاريخ الإنسان.

حجر الراي في جزيرة ياب

إذا كان البيتكوين محيّرًا لك، وكنت غير قادر على فهم كون سلسلة الكتل سجلًّا مشتركًا للحقيقة، فلعلّ أن الراي في جزيرة ياب مثال صالح لتقديم بعض المفاهيم المشتركة.

أحجار الراي هي أقراص كبيرة من الصخور في جزيرة ياب في المحيط الهادي الغربي (ميكرونيسيا). «سُكّت» هذه الصخور من ودائع الحجر الجيري في جزيرة بالاو، واتُّخذت عملة حتى مطلع القرن العشرين.

الشكل [3] أحجار الراي تحمل السجلات، 1903

حُملت أحجار الراي إلى جزيرة ياب بالقوارب، ولم تكن –من عظم حجمها ووزنها– تُنقَل لدى صرفها، بل كان ملّاكها يتبدّلون. كانت كل معاملة «تُسَجَّل» شفهيًّا في المجتمع الصغير، حتى يصبح تاريخ الملكية للأحجار معرفة عامة. في النهاية، أصبح «تاريخ» المعاملات أو «سجلها» هو الجزء الوحيد المهم. سقطت مرة صخرة على الطريق إلى الجزيرة وغرقت. مع هذا، اعتُبرت الصخرة نقدًا، لأنها لم تزل موجودة، وإن كانت خارج مرأى أو منال أي أحد منذئذ.

هذا الأمر ذو أهمية خاصة لأنه استعمال طبيعي لسجل معاملات. كان السجل يُتناقل شفهيًّا بين السكان، وكان ينسب الملكية والحقوق لأصحابها دون نقل حجر واحد؛ كان الجميع متفقًا على الأمر، وكان الإجماع قائمًا. يمكن مقارنة هذا الوضع بوظيفة سلسلة الكتل في البيتكوين؛ هذه السلسلة هي سجل مشترك للمعاملات، تخزنه في الوقت نفسه آلاف الحواسيب (العُقَد) حول العالم.[4]

من المشابهات الأخرى للبيتكوين إنشاء الحجر نفسه، إذ كان ينطوي على عمل شديد يجعله نوعًا من برهان العمل. كانت الصخور تنحَت بأدوات يدوية، وتنقَل في البحر بالقوارب. عندما أصبحت أحجار الراي سهلة التصنيع بالتقنيات الحديثة، بدأ انحدار منفعتها النقدية، لأنها لم تعد دليلًا عُمدةً على الطاقة المستهلكة في إنشائها.

لقد رأى الاقتصاديون الحديثون في أحجار الراي نوعًا بدائيًّا من النقد، وكثيرًا ما استعملوها دليلًا لدعم فرضيتهم بأن قيمة بعض أنواع النقد تقوم كلّيًّا على الاعتقاد المشترك بها.[5] لكن نقود اليوم أيضًا لا تستند إلى أي شيء. في الحقيقة، هذه النقود ليست إلا نتيجة التشريعات الحكومية التي أسستها وجعلتها عملة رسمية. لذلك أصبحت هذه النقود وسيلة الحساب المستخدمة، ونشأ الاعتقاد بقيمتها.

كيف يُصنَع النقد

«لا بد من الثقة في أن المصرف المركزي لن يبخس العملة، لكن تاريخ العملات الحكومية مليء بخيانات هذه الثقة» – ساتوشي ناكاموتو

كان تعلّم البيتكوين مما فتح عيوني على أشياء كثيرة. إن حياتي قسمان متميّزان: أحدهما قبل البيتكوين، والثاني بعده. أرى اليوم الأشياء من منظار مختلف تمامًا. عندما أردت فهم البيتكوين، اضطررت أولًا إلى فهم النظام النقدي الحالي. ما الفرق بين أنظمة العملات الحكومية كالدولار واليورو ونظام البيتكوين؟ ما هو التضخم؟ ما هو دور المصارف المركزية؟ وهلم جرًّا. من الغريب أننا لا نتعلم هذه المفاهيم في المدارس، لكن اجتناب هذا النوع من التعليم قد يكون لسوء الحظ مقصودًا.

في العالم اليوم 180 عملة تستعملها 195 دولة حول العالم. العملة هي نظام نقدي شائع الاستعمال تعرّفه الحكومات. تجعل كثير من السلطات عملتها الوطنية عملة رسمية؛ أي هي نقد صالح بقوة القانون لدفع الديون، ويُمنَع رفضه وسيلة للدفع.

كل هذه العملات المئة والثمانين –ومنها الدولار واليورو والين والإسترليني– يمكن تصنيفها في فئة واحدة تسمَّى «النقد الحكومي». منذ عام 1971، لم تعد أيٌّ من هذه العملات مغطاة بالذهب أو أي أصل آخر. ليس للنقد قيمة إلا بسبب إيماننا به. النقد هو اللغة التي تعبر عن قيمة الأشياء في المجتمع. إن النقد الحكومي لم يُخترَع إلا على طريقة «كُن فيكون». هذا النقد يُصنَع بإضافة إدخال في سجل رقمي، ولا يكون بعد ذلك إلا رقمًا في نظام محاسبة. ليس وراء إنشاء النقد أن إنتاج حقيقي في العالم الواقعي.

من هو المسؤول عن صنع النقد؟ مزيج من الحكومات والمصارف المركزية، والمصارف التجارية. إنه نظام مركزي هرمي له حرّاس، لا اتفاق فيه على حدٍّ أعلى للعرض ولا على معدل إصدار محدد.

النقد الحكومي هو «نقد بالقانون»؛ لا يُدار إلا بفضل تهديد الدولة الضمني باستخدام العنف. يُحافَظ على قيمة هذا النقد بإنشاء المغارم الضريبية التي لا تنتهي ولا يمكن دفعها إلا بالنقد الحكومي وفي أسواق السندات التي تديرها الحكومة، وبسياسات الضرائب والعملة الرسمية.

  • تنتج المصارف المركزية النقد ورقًا ومسكوكًا.
  • تشتري المصارف المركزية الأصول والسندات من السوق المفتوح، فيتدفق النقد في النظام.
  • يُنشأ النقد بالحوافز الحكومية، كالمعونات والمِنَح والإنقاذات.
  • تنشئ المصارف التجارية النقد بالقروض.

النقد يُصنَع بالدَّين

هذه النقطة نعرفها جميعًا. عندما نقترض من البنك قرضًا، ونبتدئ مشروعًا أو نشتري سيارة، تكون العملية سهلة، لكنها ليست سهلة إلا لأصحاب المزيّة. إذا لم تستطع أن تضع رهنًا، أو كنتَ صاحب عمل صغير، أو لم تكن صاحب عمل ذا دخل ثابت، أو كنت امرأة في بلد لم يزل يمنع النساء من التملّك، عندها لن تكون قادرًا على استدانة أي مبلغ من مصرفك. إذا حصلت على القرض، يعدّل البنك سجله الرقمي ويضيف مبلغ القرض إلى حسابه. عليك أن تدفع لهم بعد ذلك القرض بالإضافة إلى نسبة الفائدة. عليك الآن أن تقوم فتعمل أو تبيع شيئًا حتى تكون قادرًا على دفع القرض بالإضافة إلى نسبة الفائدة. الصفقة عظيمة من وجهة نظر البنوك. لا تضيف البنوك شيئًا، لكنها تجمع الرسوم على عقد القرض وتجمع الفوائد لدى الإيفاء.

أضف إلى ذلك ما يُسمّى مصرفية الاحتياطي الجزئي. هذا النظام يتيح للبنوك أن تقرض مبالغ من النقد أكبر من التي تملكها في خزائنها أو ميزانياتها لدى المصرف المركزي. يحدد المصرف المركزي الحد الأدنى الذي يجب على المصارف أن تملكه من الأصول السائلة، ويسمّى هذا الحد «نسبة الاحتياطي». يتنوع هذا الحد من بلد إلى بلد. في منطقة اليورو، يجب على البنوك أن تملك حدًّا أدنى هو 1% في تاريخ هذه الكتابة. في مارس 2020 ألغى الاحتياطي الفدرالي شرط الحد الأدنى بسبب جائحة كوفيد 19. أما كندا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا والسويد وهونغ كونغ فليس فيها أي شروط للاحتياطيات. لو ذهبنا جميعًا اليوم إلى البنك وطلبنا سحب أموالنا، سينهار النظام المصرفي بين ليلة وضحاها. هذا لأن البنوك أقرضت أكثر مما تملك، لذلك فلن تستطيع أن توفيك جميع مالك.

في 2020 ازداد الدين العالمي بمقدار 24 تريليون إلى 281 تريليون دولار، أي 355% من الناتج الإجمالي العالمي.

الشكل [6] نسَب الدين إلى الناتج الإجمالي المحلي

المصارف المركزية ملاذًا أخيرًا للإقراض

يحق للمصارف التجارية أن تلجأ إلى المصارف المركزية بوصفها ملاذًا أخيرًا للإقراض، وقد فعلت ذلك من قبل. في 2008/2009 قبضت المصارف التي كانت مسؤولة عن الأزمة المالية العالمية، أول مبالغ إنقاذها. أنقذت المصارف المركزية هذه المصارف لأنها كانت «أكبر من أن تسقط». لكن ما الذي فعلوه بهذا المال؟ عادوا واشتروا حصصًا في شركاتهم. لم «يتسرّب» أي شيء إلى الاقتصاد. لم تزدد الفجوة بين الغني والفقير إلا اتساعًا.

تسمّى المصارف المركزية ملاذًا أخيرًا للإقراض. كان الهدف من ذلك منع الاضطراب الاقتصادي بعد موجات الهلع المالية وازدحامات البنوك التي تنتشر من واحد إلى آخر بسبب قلة السيولة. تعرف البنوك وغيرها من المؤسسات المالية أن على المصارف المركزية أن تنقذها، وهو ما يؤدي إلى العبث الأخلاقي–المخاطرة الزائدة من جهة البنوك والمستثمرين.

إن «طباعة» المصارف المركزية للنقد –الذي لا تغطيه أي قيمة– غطّت على فساد السوق. بسبب إغراق النظام النقدي والتلاعب به بالنقد الرخيص، لم يعد في السوق آلية عقلانية لاكتشاف الأسعار. في الوضع الطبيعي، يحدد العرض والطلب قيم السلع والبياعات، لكن السوق إذا اعوجّ وحُرّف، لم يعد اكتشاف السعر ممكنًا بطريقة عادلة. إن الطبقة الوسطى حول العالم تدفع ثمن طمع النُّخَب المالية التي يغذيها نظام إنشاء النقد الفاسد.

هل أنقذك أحد أنت الفرد؟ وإن كان أنقذك أحد، فهل كنت لتعيد خطأك مرة بعد مرة، لتفسد النظام وأنت تعرف أن الملاذ الأخير لن يخيبك أبدًا؟ هذا هو ما تفعله البنوك وشركات وولستريت وصناديق التحوّط ومحاموها دائمًا، بمساعدة المصارف المركزية حول العالم.

«تقليديًّا، تحافظ المصارف المركزية على خزائنها للطوارئ، وتحدد أسعار الفائدة، وتوزع المال لتحفّز الاقتصاد أو تثبّطه بعد الأحداث المخِلّة كالهلع أو الحرب. لكن الدور الحديث الذي اتخذته هذه المصارف هو حماية النظام المالي كله والتأثير في المسارات الاقتصادية لدول مستقلة كاملة. هذا هو نقيض الحكم الديمقراطي. هذه الأوليغارشية النقدية خارجة عن الأعراف والحدود الديمقراطية».[7]

«تعمّق كتاب نومي برنز في نفسية وولستريت، وأظهر كيف أن البنية الجوهرية للنظام المالي منوطة بتدفق التجار من الرهان الكبير الحالي إلى الرهان الكبير التالي، مهما كان الثمن. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن الأفراد والعائلات نفسها تظهر مرة بعد أخرى، في دورات بين وولستريت وواشنطن. لقد أثر هؤلاء في الاقتصاد الذي هو تحتهم من أبراجهم العاجية، بالمال الخاص والمنصب العام، هدموا القوانين التي كانت تقف في طريقهم ووجدوا ثغرات في ما لم يهدموه. لقد جعلت المصارف الخاصة التلاعب بالسوق أمرًا عاديًّا. أما المصارف المركزية فجعلتها نوعًا من الفن بلا حدود».[8]

تضخم عرض النقد

فلنتخذ من الدولار الأمريكي مثالًا على كل العملات الحكومية. بسبب تضخم عرض النقد، كلما وُجد مزيد من الدولار، نقصت قيمة الدولار الواحد. تخيل أن ورقة الدولار سلعة، كالنحاس مثلًا. إذا توفر النحاس في السوق أكثر من الطلب عليه، سينحدر سعره، ستقل قيمته. الأمر نفسه يصدق على ورقة الدولار. إن قيمة العملات الحكومية يحكمها العرض والطلب أيضًا. إذا زدت العرض وبقي الطلب على حاله، ستنقص قيمة الوحدة الواحدة.

يتألف عرض النقد من عدة أنواع من النقد تصنّف عادةً بحرف M متبوع برقم، (في هذا الكتاب، سنعرّبه بحرف ن متبوع برقم)، فمنه ن0 ون1 ون2 ون3. تختلف تعريفات هذه الأصناف بعض الشيء بين الدول.

القاعدة النقدية (ن0) هي المقدار الإجمالي للنقد الموجود ورقًا ومسكوكًا في السوق في أيدي الناس أو في ودائع المصارف التجارية لدى المصرف المركزي.[9]

ما دام مالك نقدًا في يدك، فهو أصل كالبيتكوين، هو ملك من أملاكك. إذا أخذت هذا النقد ووضعته في بنك، لم يعد النقد في ملكك، لكنك مالك لحق به. كالبيتكوين في المنصات.

كل أصناف العرض النقدي الأخرى (ن1 ون2 ون3) هي حقوق بالقاعدة النقدية.[10]

يشمل ن1 القاعدة النقدية، والودائع تحت الطلب، والصكوك السياحية، والودائع الصكية الأخرى، التي يمكن بسهولة تحويلها إلى نقد.

يشمل ن2 النوع السابق بالإضافة إلى سندات سوق المال، والصناديق التعاونية والودائع الآجلة. هذه الأصول أقل سيولة من ن1 ولا تليق وسائل للتبادل، لكنها سهلة التحويل إلى نقد أو ودائع صكية. يُراقب هذا الصنف بوصفه دليلًا على عرض النقد والتضخم المستقبلي، وبوصفه هدفًا لسياسات المصرف المركزي النقدية.

إن مقدار عملة ن2 في السوق الأمريكي بلغ 19.7 تريليون دولار في فبراير 2021.[11] انظر إلى نموه في 2020.

الشكل[^11:1] نمو ن2 في الولايات المتحدة الأمريكية، 2021

«نحن نقبل هذا الوضع ووصفَه بالعاديّ لأننا نفترض أنه لن ينتهي. لقد عمل نظام الاحتياطي الجزئي حول العالم قرونًا من الزمن (كانت احتياطاته من الذهب أولًا، ثم أصبحت كلها من العملات الحكومية)، وإن صادف بعض الأحداث التضخمية في تاريخه لتصلح بعض الأمور جزئيًّا.

كل وحدة من العملة الحكومية بُخست قيمتها بمقدار نحو 99% إذا نظرنا في مسارها عبر عدة عقود. هذا يعني أن على المستثمرين إما أن يكتسبوا معدل فائدة يزيد على معدل التضخم الحقيقي (وهو غير ممكن اليوم)، وإما أن يشتروا مزيدًا من الاستثمارات، وهو ما يزيد قيمة الأسهم والعقارات أمام النقد ويرفع أسعار النوادر كالفنون الجميلة».[12]

يُضاف إلى تضخم عرض النقد أن سكان الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لا ينمون بمعدل نمو العرض النقدي نفسه. «كان تعداد سكان الولايات المتحدة ينمو بنسبة ربما 1.5% كل عام، أما اليوم فهو أقرب إلى 0.5% كل عام. هذا الأمر مهم جدًّا. في الوقت نفسه، يزداد معروض النقد العريض 25% عامًا بعد عام، وهو على طريقه ليزداد أكثر من 75%+ بعد 5 أعوام في المستقبل».[13]

على وجه التحديد، يحدث التضخم عندما يتجاوز عرض النقد نمو الناتج الإجمالي المحلي الاسمي، الذي يتألف من نمو السكان ونمو الإنتاجية. يظهر مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة أن أسعار السلع ازدادت منذ أن انخفضت قيمة النقد.

الشكل[14] مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة 2020

مخطط بونزي

مخطط بونزي: «نوع من الاحتيال ينبني فيه الإيمان بنجاح مؤسسة تخيلية بدفع العوائد إلى المستثمرين الأوائل من النقد الذي استثمره الآخرون». – معجم أوكسفورد الإنكليزي

يصف أعداء البيتكوين البيتكوين بأنه مخطط بونزي. أقول إما أنهم لا يفهمون البيتكوين وإما أنهم لا يفهمون ما هو مخطط بونزي، وإما أن لهم مصلحة في عدم نجاح البيتكوين. اعتُقل تشارلز بونزي في الولايات المتحدة عام 1920 لأخذه 20 مليون دولار من عشرات آلاف الضحايا. كان وعده أن المال المستثمر سيتضاعف خلال ثلاثة أشهر. بعد دفع النقد، قبض المستثمرون سندات إذنية تضمن أن يُدفَع لهم مقدار الاستثمار الأصلي بالإضافة إلى فائدة 50 بالمئة. كانت هذه السندات تحمل تواقيع بونزي المختومة بالحبر. كان كثير من الناس يسمونها «سندات بونزي».

«عملي بسيط. هو اللعبة القديمة: اسرق زيدًا لتعطي عمرًا. أعطني مئة دولار وسأعطيك سندًا بدفع مئة وخمسين خلال ثلاثة أشهر... أصبحت هذه السندات أكبر قيمة من النقد الأمريكي... ثم جاءت المشكلة. دُمّر الأمر كله». –تشارلز بونزي

إذا أردت معرفة المزيد استمع إلى هذه الحلقة عن سيرة الإيطالي تشارلز بونزيopen in new window. جِدها على هذا الرابط https://anita.link/ponzi.

خصائص مخطط بونزي

  • مخطط بونزي فيه عامل أو قائد أو تنظيم مركزي يجمع الاستثمارات ثم يغادر في النهاية.
  • لا يمكن التحقق من مخططات بونزي، وهي لا تتصف بالشفافية. لا يعرف أحد ما الذي يحدث للمال سوى المؤسس.
  • مخطط بونزي يصدر الصكوك حتى يفلس، لا وجود لسقف للعرض.
  • صعوبة إيفاء المستثمرين: كلما تدفق مزيد من المال إلى المخطط، زاد مقدار المال الذي يجب دفعه، وزادت صعوبة إيقاف الآلة على المؤسس.
  • لا بد أن ينهار النظام في يوم ما، لا محيد عن ذلك.
  • يجني المحتالون المال من إقراضه دون أي إسهام في الأداء الاقتصادي للبلد.
  • الطمع هو ما يقود مخطط بونزي. المستثمرون الصغار الذين يأتون أولًا يجنون الفائدة ويدعون الآخرين، الذين يريدون الاغتناء السريع أيضًا.

فلنقارن هذه الخصائص بخصائص نظام إنشاء النقد في عالمنا اليوم.

خصائص إنشاء النقد الحكومي

  • يتولى إنشاء النقد أطراف مركزيون، هم الحكومات والمصارف المركزية والتجارية.
  • لا يمكن مراقبة النظام وهو غير متصف بالشفافية.
  • لا وجود لسقف لعرض النقد.
  • صعوبة إيفاء المستثمرين: بسبب نظام الاحتياطي الجزئي، إذا طلب 20% فقط من زبائن البنوك سحب أموالهم في الوقت نفسه، سيسقط البنك في أزمة وسيرفض السحب. يحدث هذا الأمر بانتظام حول العالم وقد حدث في بعض البنوك في أوائل عام 2020 أيام الإغلاق في الجائحة.
  • لا بد أن ينهار النظام في يوم ما، لا محيد عن ذلك.
  • تجني المصارف النقد من إقراض النقد دون إسهام فعلي في الأداء الاقتصادي للبلد.
  • الطمع هو ما يقود نظام النقد الحكومي. النخب المالية تقترض بالرخص لأنها تملك سنداتها وتستطيع شراء مزيد من السندات ليزداد نفوذها وثروتها.

مخطط بونزي الحقيقي

  • التشابه الوحيد بين البيتكوين ومخطط بونزي هو الأثر الشبكي للطمع. لكن خلافًا لمخططات بونزي، يمكنك أن تملك مفاتيح البيتكوين بنفسك. لا وجود للسلطات المركزية التي تتحكم بما تملكه من البيتكوين.
  • سقف عرض البيتكوين محدود. لن يُنشَأ أكثر من 21 مليون سكّ من البيتكوين. البيتكوين محدود. النقد الحكومي غير محدود. لا وجود لتضخم عرض النقد في البيتكوين.
  • إصدار البيتكوين مقدور بخوارزمية ثابتة أجمع عليها كل الفاعلين في البيتكوين، وهم يحمون إجماعهم بتشغيل العُقَد. لا يمكن تغيير هذا الإجماع دون موافقة مجتمع البيتكوين العالمي. سقف الواحد والعشرين سكًّا هو واحد من أهم الميزات في البيتكوين، لذلك فإن الاتفاق على تغييره سيكون صعبًا جدًّا أو مستحيلًا.
  • إن المصارف المركزية تحدد المصاير المالية لكل الدول حول العالم. هذه المصارف لم تنتخَب، لكنها تعمل عمل الحكومة في السيطرة على سوق المال كله.
  • كان الاقتصادي الأيرلندي الفرني ريتشارد كانتيلون أول من وصف أثر كانتيلون نحو عام 1730. قال الرجل إن التضخم يجري تدريجيًّا فيكون للنقد الجديد الذي تنتجه المصارف أثر محلي، يستفيد منه أصحاب المصارف والقريبون منهم.

«إن سياسة الفدرالي النقدية في الأزمة وبعدها، التي تبنتها المصارف المركزية الكبرى حول العالم، كان من المفترض أن ‹يتسرّب› (نفعها) إلى الجماهير. لم يحدث ذلك. كانت النخب العالمية تعرف ذلك عندئذ، وهم واعون به اليوم. في يناير 2017، أقر المؤتمر الاقتصادي العالمي أن تزايد التفاوت يهدد الاقتصاد العالمي. هؤلاء المتآمرون ينتجون التفاوت لأنه ينفعهم ويحافظ على هرميات سلطتهم العالمية، على حساب كل الآخرين وكل شيء آخر». – نومي برنز [15]

نهاية هذا النوع من النمو

لقد تصاعد التفاوت في الثروة في العقود الأخيرة الماضية مع تسليع وتمويل الموارد الطبيعية. لم يعد يترك شيء للاستهلاك. إننا نعيش في صراع على الموارد، وعلى أن تتساوى فرصنا وفرص المنظومة والنخبة التي تغني نفسها بالفساد والمزايا المالية.

«من الآثار الجانبية الأخرى للأزمة المالية وتواطؤ المصارف المركزية: صعود القلق الاقتصادي الذي أفرخ اتجاهًا نحو الوطنية، من البرازيل إلى بريطانيا الكبرى إلى الولايات المتحدة. إن صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ترددت أصداؤها حول العالم مع نفور الناخبين من القيادات المفروضة وسياساتها الاقتصادية المخفقة. في الولايات المتحدة، كان انتخاب دونالد ترمب الرئيس الملياردير ‹المناوئ للمنظومة›، تجلّيًا آخر لهذا الاتجاه. هذه الانتخابات البارزة لم تسببها سياسات المصرفية المركزية مباشرة لكنها كانت من آثارها». [16]

إن الانقسام النامي بين الغني والفقير يرجع إلى نظامنا النقدي الحالي، الذي ليس إلا مخطط بونزي. لم ينتخب المصرفيون المركزيون بطريقة ديمقراطية، لكنهم مع ذلك يقررون المصير المالي للعالم. يستفيد أصحاب المصارف وأصدقاؤهم من هذا النظام. لقد حان وقت البديل: نظام لامركزي مفتوح حيادي شفاف غير قابل للتغيير ولا للتضخم، ونوع تعاوني من النقد: البيتكوين.

نظام البترودولار اليوم

الآن، بعد أن ناقشنا كيفية إنشاء النقد، فلننظر في عالم حروب العملات وإقصائية نظام العملات الوطنية الذي لم تزل الإمبراطوريات المختلفة تسوده منذ نشأته.

إن تاريخ حرب العملات قديم. «في القرن الماضي انتقل العالم من نظام الأساس الذهبي، إلى نظام بريتون وودس، ثم إلى نظام البترودولار. تضعضع كل نظام من هذه الأنظمة داخليًّا، ولم تكن نهايته من طرف خارجي، ومع كل انتقال من نظام إلى آخر، حدث بخس واسع وكبير في العملات».[17]

امتدت الهيمنة النقدية البريطانية من عام 1871 إلى الحرب العالمية الأولى. عندئذ كانت العملات الوطنية مربوطة بالذهب. بعد الفترة التي بين الحربين، عندما بدأت السلطة النقدية تتخذ مجرًى لامركزيًّا، برزت الولايات المتحدة بوصفها جبّار النقد المركزي بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. كان نظام بريتون وودز، الذي تأسس عام 1944، أول مثال على نظام نقدي قائم تمامًا على التفاوض، وكان المقصد منه إدارة العلاقات النقدية بين الدول المستقلة. وضع هذا النظام مجموعة من القواعد والمؤسسات والإجراءات لتنظيم النظام النقدي العالمي، منها صندوق النقد الدولي. أصرّت الولايات المتحدة، التي كانت تملك ثلثي الذهب في العالم، على أن يعتمد نظام بريتون وودز على الذهب وعلى الدولار الأمريكي. حضر السوفييت المؤتمر لكنهم رفضوا بعد ذلك إمضاء الاتفاقات النهائية، مصرّين على أن هذه المؤسسات التي أنشأها النظام لم تكن إلا «فروعًا لوولستريت». يمكن أن تُرى في هذا الحدث بداية الحرب الباردة.

في 15 أغسطس 1971، قطعت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ريتشارد نكسون، وبقرار أحادي الجانب، قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، وأنهت بذلك نظام بريتون وودز وجعلت الدولار عملة حكومية بحتة. في الوقت نفسه، أصبحت كثير من العملات الثابتة (كالجنيه الإسترليني) عائمة.

نظامنا النقدي اليوم قائم على البترودولار. تصف لين ألدن هذا الأمر في مقالتها «بنية النظام النقدي العالمي»:

«بدءًا من 1971 بعد انهيار نظام بريتون وودز، أصبحت العملات كلها حول العالم عملات حكومية، وأصبح النظام النقدي العالمي أقرب إلى الفوضى. كانت هذه أول مرة يحدث فيها هذا الأمر في التاريخ البشري، أصبحت كل العملات في أرجاء العالم في الوقت نفسه ورقًا غير مغطَّى.

العملات الحكومية نظام نقدي ليس وراء العملة فيه أي شيء ذو قيمة؛ هي مجرد ورق، أو مسكوكات من معدن رخيص، أو معلومات رقمية. ليس لهذه العملات قيمة إلا لأن الحكومة أوجبت لها قيمة وجعلتها العملة الرسمية للاستعمال في جميع المعاملات، ومنها دفع الضرائب.

تستطيع الدولة أن تفرض استعمال عملتها الحكومية وسيلةً للتعامل ووحدة للحساب في البلد إذا جعلت كل الضرائب واجبة الدفع بهذه العملة، أو إذا فرضت قوانين تصعّب أو تمنع استعمال وسائل التعامل الأخرى ووحدات الحساب الأخرى. لكن إذا كانت عملة البلد تعاني مشكلة كبيرة، كما هو الحال في كثير من الأسواق الناشئة، ستنشأ سوق سوداء للوسائل الأخرى، كالعملات الأجنبية والأصول الصعبة.

قد تواجه العملة الحكومية بعض المشكلات عندما تحاول أن توسّع استعمالها خارج موطنها الأصلي. لماذا قد تختار الشركات والحكومات في البلدان الأخرى أن تقبل هذه القطع الورقية التي تستطيع الحكومة الأجنبية أن تطبعها بقدر ما تشاء دون أي غطاء؟ لماذا قد تقبلها وسيلة لشراء سلعها وخدماتها القيّمة؟ إذا كانت غير مغطاة، فما هي قيمتها؟ لماذا قد يُباع النفط بالورق؟

في أوائل سبعينيات القرن العشرين، كان في العالم عدة صراعات جيوسياسية منها حرب تشرين وحظر منظمة أوبك النفط عن الولايات المتحدة. لكن في 1974، وصلت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق، ومنذ ذلك الوقت، أصبح العالم قائمًا على نظام البترودولار؛ طريقة ذكية لجعل النظام النقدي الحكومي العالمي يعمل بطريقة جيدة بما يكفي... في نظام البترودولار، تبيع المملكة العربية السعودية (وغيرها من أعضاء أوبك) نفطها بادلولار حصرًا مقابل حماية الولايات المتحدة وتعاونها. حتى لو أرادت فرنسا شراء النفط من المملكة العربية السعودية مثلًا، فعليها أن تشتريه بالدولار... بالمقابل، تستعمل الولايات المتحدة أسطولها البحري الذي لا ندَّ له لحماية طرق الشحن العالمية، والحفاظ على الوضع الجيوسياسي القائم بالفعل أو التهديد العسكري حسب الحاجة... يستفيد بعضنا، لا سيما القريبون من قمة سلّم الدخل، استفادة مباشرة أو غير مباشرة من هذا النظام. يستفيد الأمريكيون الذين يعملون في أسواق المال أو المناصب الحكومية أو الصحية أو التقنية فوائد كثيرة من العيش في البلد المهيمِن، ولا يعانون أي ضرر منه. أما الأمريكيون الذين يصنعون منتجات مادية، فهم أقرب إلى ألا يستفيدون، لأنهم خسروا أعمالهم وبُخسوا أرزاقهم، ولم يستفيدوا من المكاسب. وأما خارج الولايات المتحدة، فقد استفادت الدول المصدِّرة من النظام، أما الدول التي لا تعجبها بنية النظام النقدي العالمي فلا حيلة في يدها، إلا إذا كانت كبيرة بما يكفي كروسيا والصين».[18]

لم نزل منذ عقود كثيرة نعيش في حروب العملات. أي العملات أقوى؟ أي بلد هو القادر على اصطياد المكاسب من التلاعب بالعملة؟ اليورو، أم الدولار، أم الين الصيني؟ أم عملة الفيسبوك؟ عملات الشركات لاعب جديد قوي في الأسواق. بدأت المصارف المركزية تعمل على عملاتها الرقمية الخاصة، لتحافظ على سلطاتها.

الشكل[19] نشوء أنواع جديد من النقد

البيتكوين هو بديل هذا النظام. يحمي البيتكوين خصوصيتنا في العصر الرقمي، ويمنحنا القدرة على التصويت ضد استغلال السلطات الاحتكارية في النظام الحالي، ويعطي الذين يعيشون في الدول السلطوية ذات الحكام الفاسدين فرصًا للمشاركة في النظام الاقتصادي. البيتكوين استراتيجية دفاعية، وأداة نستطيع بها حماية حق الإنسان بحرية التعامل والخصوصية.

البيتكوين: نقد للعصر الرقمي

إذا سألني الناس ما هو البيتكوين، فأول إجاباتي وأقصرها: البيتكوين نقد رقمي. هو كالنقود في جيبك. هو لك، لا يستطيع أحد منعك من استخدامه. إذا أردت أن تشتري درّاجة، أعط البائع نقودك. ليس عليك أن تثق بالبائع، لأنك أخذت دراجتك وهو أخذ النقود. الصفقة تمت دون بنك ولا هوية ولا بطاقة ائتمان.

الأمر نفسه يصدق في البيتكوين. عندما تشتري شيئًا، سواء على الإنترنت أو في محل ما، تنتقل القيمة التي ترسلها مباشرة منك إلى الطرف الآخر. لاتمر هذه القيمة ببنك ولا ببايبال ولا ببطاقات الائتمان. يبقى التحويل آمنًا وخاليًا من الثقة وغير قابل للتزوير – هذا الأمر ثوري.

شبكة البيتكوين برنامج مفتوح المصدر لا يملكه أحد. إنها سلعة عامة. ليس وراء البيتكوين شركة. يستطيع أي أحد تحميل البرنامج وتشغيله والنظر فيه، واقتراح تحسينات عليه دون الحاجة إلى ترخيص. أي قرار بشأن التغييرات يرجع إلى إجماع جميع الأطراف. ليس في البيتكوين هرمية. الثقة في البيتكوين نتيجة لإدماج حيَل من مجالات علمية مختلفة: التعمية، وشبكة حاسوبية موزعة عالميًّا، وقاعدة بيانات لا يمكن تغييرها تحوي جميع المعاملات (سلسلة الكتل)، ونظام حوافز يعمل حسب نظرية الألعاب ويحمي الشبكة وإصدار النقد (التعدين).

هذا النظام، إذا قورن بالنقد الحكومي كاليورو والدولار، الذي تتحكم به المصارف المركزية، نظامٌ جديد كلّيًّا. الثقة في هذا النظام ليست معلقة على نظام هرمي سياسي، بل مبنية على الرياضيات والتعمية ونظام إجماعي ينظم نفسه.

البيتكوين مبني على مجموعة من القوانين. هو نظام ينظم نفسه، مبني على الرياضيات والتعمية ليفرض إصدار السكوك الجديدة منه على أساس البروتوكول دون أي تدخل إنساني. إن منع المعاملات في البيتكوين، أو فرض أسعار فائدة سلبية، أمر مستحيل، ومن ثم فهو طريقة جيدة للحفاظ على القيمة والأصول.

تاريخ البيتكوين

«كانت الأزمة المالية في الولايات المتحدة عام 2007–2008 نتيجة النظام المصرفي الذي تحكمه قوانين فضفاضة تتمركز فيها السلطة في أيدي مجموعة صغيرة من المضاربين».[20]

«لقد أشعلَ الأزمةَ المالية التي اجتاحت الاقتصاد العالمي عام 2007–2008 نظام المصارف الجشع في الولايات المتحدة. في استجابة منها للأزمة، وتحت قيادة الفدرالي، سلكت المصارف المركزية في دول G7 مسلك إنتاج النقد دون حدٍّ ولا قيد– جهارًا في وضح النهار».[21]

في 31 أكتوبر 2008، عقب أكبر أزمة مالية عرفها العالم، نشر شخص يدعو نفسه ساتوشي ناكاموتو ورقة بيضاء عنوانها «البيتكوين: نظام نقد إلكتروني من نظير إلى نظير» على موقع bitcoin.org واقترح نوعًا رقميًّا جديدًا من النقد.

في 3 يناير 2009، عُدّنت أول كتلة عامة في البيتكوين، المسماة كتلة التكوين. ترك ساتوشي رسالة فيها: «وزير الخزانة على شفا إنقاذ جديد للبنوك»، وهو عنوان في الصحيفة اليومية ذا تايمز، في المملكة المتحدة في اليوم نفسه. كان ذلك ختمًا زمنيًّا لبداية البيتكوين وإشارة إلى مقصد أن يكون بديلًا عن النظام المصرفي والمالي الحالي، الذي تحتاج فيه إلى الثقة بالوسطاء عند معالجة الدفع الإلكتروني.

في 9 يونيو 2021، أصبح البيتكوين عملة رسمية في السلفادور.

منذ تسعينيات القرن العشرين، لم يزل خبراء الحاسوب والرياضيات والتعمية –ومنهم نساء– يعملون على مفاهيم تتعلق بإنشاء نقد رقمي. أمكن ابتكار البيتكوين بفضل بنائه على التقنيات الأساسية التي استعملت في المحاولات السابقة لإنتاج نقد رقمي.

مشاريع العملات التعموية قبل البيتكوين

بعض المفاهيم التالية مذكور في الورقة البيضاء للبيتكوين، التي كتبها ساتوشي ناكاموتو.

الشكل [22] مشاريع العملات التعموية قبل البيتكوين

أشفاع المفاتيح العامة والخاصة: في عام 1990 كان ديفيد تشوم قلقًا بشأن الطبيعة العامة والوصول المتاح لمعلومات الأشخاص والدفع الرقمي. أسس الرجل شركة «ديجي كاش»، وهي شركة ونقد رقمي يحمل الاسم نفسه. استعملت في هذا النقد بروتوكولات تعموية ومفاتيح خاصة وعامة لجعل المعاملات مبهمة الأسماء. أصبح استعمال التواقيع –أشفاع المفاتيح الخاصة والعامة– أساسيًّا في التطويرات اللاحقة للنقد الإلكتروني والبيتكوين.

برهان العمل

أهرام مصر مثال على برهان العمل. هذه الأهرام هي مظهر النظام والثروة والحضارة في مصر القديمة.

مع بروز الإنترنت والبريد الإلكتروني ظهرت مشكلة الرسائل العشوائية (غير المرغوب فيها). لمواجهة هذه المشكلة، اقترح الباحثان سينثيا دوورك وموني ناور في ورقتهما المنشورة عام 1992 بعنوان «التسعير بالمعالجة أو مواجهة الرسائل العشوائية» «... أن يُطلب من المستخدم حل تابع صعب نسبيًّا لكن غير مستحيل الحل...» قبل أن يستطيع إرسال الرسالة البريدية. يقتضي هذا الشرط أن الذي يريد إرسال عدد كبير من الرسائل في الوقت نفسه، فعليه أن يحل مسألة رياضية. تأخذ هذه العملية وقتًا وجهدًا، وقد منعت من إرسال الرسائل بتتابع سريع.

في عام 1997 اقترح آدم باك فكرة مشابهة اسمها «هاش كاش». استعمل ساتوشي ناكاموتو هذه الفكرة نظامًا لبرهان العمل في البيتكوين. ذُكر عمل آدم في ورقة البيتكوين البيضاء. استمع لمقابلتي مع آدم باك عام 2019، التي ناقشنا فيها فكرته وتطور عمله قبل البيتكوين. تجدها على الرابط https://anita.link/12.

إن مصطلح «برهان العمل» يرجع إلى ورقة لماركس جاكوبسون وآري جويلز نُشرت عام 1999 وسُكّ فيها المصطلح وعُرّف تعريفًا نظاميًّا.

اللامركزية: تلا الهاش كاش نظام «بي موني» الذي ابتكره وي داي عام 1998. كان مفهوم هذا النقد أول ما اعتمد على شبكة لامركزية من الحواسيب. استُعمل هذا المفهوم في شبكة النظراء في البيتكوين التي تشغل فيها الحواسيب عقد البيتكوين الكاملة أو عقد التعدين. المقصود بشبكة النظراء هنا أن النظام مؤلف من شبكة خالية من الهرمية، يتساوى فيها المشاركون في الأفضلية والقدرة.

بعد فترة قصيرة، نشر نِك زابو ورقة عن «البتغولد»، أول نظام نقدي رقمي استطاع أن يعمل دون سلطة مركزية لإصدار النقد. كان زابو أيضًا أول من قدّم ورقة عن «العقود الذكية».

حل مشكلة الإنفاق المزدوج

هذه التقنيات النقدية السابقة عانت مشكلة كبيرة لم يوجد لها حل. مشكلة «الإنفاق المزدوج» تعني أن النقد الرقمي المنفَق من قبل يمكن إنفاقه مرة أخرى. تخيل مستندًا رقميًّا تستطيع أن تنسخه وتعدله وترسله ألف مرة بلا أي تكلفة، ويمكنك أن تدعي في كل نسخة أنها هي الأصلية. هذا الملف ليس له قيمة نقدية.

كانت فكرة ساتوشي العبقرية هي إضافة سجل إلى النظام يتألف من كتل تحوي المعاملات. تسلسَل هذه الكتل بالتعدين القائم على «برهان العمل»، ومن هنا جاءت كلمة سلسلة الكتل. إن سلسلة هذه الكتل بترتيبها الزمني الصحيح يجعل البيتكوين عصيًّا على التزوير والتغيير.

حالما يغش أحد النظراء في الشبكة، تكتشفه الشبكة وتحظره مؤقتًا. يعني هذا الأمر أنك لن تحتاج إلى الثقة بأحد، ولن تحتاج إلى وسيط كالبنوك أو بايبال. لكنه لا يعني أن المجال خالٍ من المحتالين أو أنك لن تحتاج إلى التحقق من صحة المعاملات أو إلى تعلم كيفية استعمال البيتكوين. المعرفة قوة.

شعار البيتكوين هو «لا تثق، تحقق». كان هذا الشعار يحيرني في البداية. من جهة، تتعلم أنك لن تحتاج إلى الثقة في أي وسيط، ومن جهة أخرى، يمكنك أن تتحقق من المعاملات بنفسك. المقصود هنا هو: إذا أردت أن تتحقق من معاملات البيتكوين، فأنت قادر على ذلك. بل ينبغي أن تفعله، إذا كانت معرفتك التقنية كافية لتشغيل عقدتك الكاملة.

هذا الأمر ثوري – عندما تبدأ التحقق من معاملات البيتكوين، تصبح كالبنك. هذا هو ما تفعله البنوك – تتحقق من المعاملات في سجلاتها. لكن الفرق هو الحاجة إلى الثقة بهم. قد يكون الأمر نافعًا وناجحًا في الدول المتقدمة، لكن أمر البنوك أسوأ بكثير في معظم بقاع العالم. تخيل الآن أنك لا تستطيع الاعتماد على بنك ولا تملك هوية شخصية، لكنك تحمل جوالًا وتستطيع استخدام الإنترنت. ليس أمامك إلا خيار واحد لتخزين النقد واستعماله. إما أن تستعمل نقد الموبايل مثل إم بيزا أو إيكوكاش في إفريقيا، وإما أن تستعمل العملات التعموية، التي لا حاجة فيها إلى التعريف بهويتك.

كل الناس حول العالم، الذين يملكون جوالات تستطيع الوصول إلى الإنترنت، قادرون على استعمال البيتكوين. لا حاجة إلى البنوك كما نعرفها اليوم لاستخدام البيتكوين. لا حاجة إلى طلب ترخيص من أحد لامتلاك أو استخدام البيتكوين. كل ما تحتاجه للبدء هو هاتف ذكي، واتصال بالإنترنت، وتطبيق محفظة بيتكوين.

ما هي سلسلة الكتل

سلسلة كتل البيتكوين هي قاعدة بيانات عامة غير قابلة للتغيير، تخزَّن فيها كل معاملات البيتكوين. إذن، «سلسلة الكتل» في نفسها ليست خرقًا تقنيًّا ثوريًّا كما تصفها وسائل الإعلام. كما تعلمت في فصل «تاريخ البيتكوين»، كانت إضافة سلسلة الكتل هي العنصر الذي حل مشكلة الإنفاق المزدوج ومكّن من إصدار النقد على نحو لامركزي في شبكة لامركزية محمية. لكن البيتكوين استعمل تقنيات كثيرة قديمة أيضًا.

في الحقيقة، لم يذكر ساتوشي ناكاموتو مطلقًا كلمة سلسلة الكتل. بل استعمل مصطلح سلسلة الزمن، لأن الاستخدام الأهم للسجل هو تخزين المعاملات بالترتيب الزمني الصحيح.

سأستعمل مصطلح سلسلة الكتل هنا اتباعًا للسهولة، لأنه صار هو المصطلح الشائع. منذ ابتُدئت سلسلة كتل البيتكوين عام 2009، لم تُخترَق قط. منذ 2009، خُزّنت كل المعاملات في سلسلة الكتل. كل تحويل جرى على البيتكوين منذ ابتكاره مخزن تخزينًا لامركزيًّا على ما يتراوح بين 10,000 و100,000 حاسوب حول العالم. يقوم على هذه الحواسيب أفراد وجامعات ومنصات تجارية وهلم جرًّا. هذه اللامركزية تجعل مهاجمة البيتكوين أمرًا صعبًا، لأنك إذا هاجمت أحد الحواسيب وسلسلة الكتل فيه، فستجد أمامك آلافًا أخرى من الحواسيب التي تحمل قواعد بيانات متطابقة ومجمعًا عليها. إن محاولة إدخال معاملة فاسدة في السجل لن تنجح لأن بقية العُقَد في العالم لن تستطيع أن تصل إلى إجماع مع العقدة الفاسدة، وهو ما سيؤدي إلى رفض تسجيل معاملتها.

البيانات في سلسلة كتل البيتكوين شفافة وعامة. إذا أجريت معاملة يمكنك أن تنظر فيها في أي مستعرض لسلسلة الكتل. هذه المستعرضات شبيهة بمحركات البحث لكنها تبحث في قاعدة بيانات المعاملات بدلًا من صفحات الويب. يمكنك أن تعرف القيمة الموجودة في أي عنوان بيتكوين مسجل على سلسلة الكتل. باستخدام مفتاحك الخاص –وهو ما يكافئ كلمة السر لكن في سلسلة الكتل– يمكنك أن تصل إلى عنوانك العام وأن تنقل القيمة التي فيه على سلسلة الكتل إلى عنوان آخر.

سلسلة الكتل في البيتكوين ليست ملكًا لأحد، يمكن لأي إنسان أن يحملها ويخزنها على حاسوبه. باستخدام هذه «العقدة الكاملة» تستطيع كذلك أن تسهم في تقوية شبكة البيتكوين. لماذا؟ لأنك عندما تتحقق بنفسك من نسختك الخاصة من سلسلة الكتل، فإنك لا تثق بأن يكون أحد غيرك صادقًا معك. كلما زاد عدد الذين يفعلون هذا، أصبحت شبكة البيتكوين أقرب إلى التوزّع والمتانة.

سلاسل الكتل المفتوحة وسلاسل الكتل المرخصة

لاحظ الفرق رجاءً بين البيتكوين، وهو سلسلة كتل مفتوحة، وبين «الديم» (عملة الفيسبوك)، أو اليوان الإلكتروني الصيني مثلًا، هذه سلاسل كتل مغلقة ومركزية.

سلسلة الكتل المفتوحة متاحة لجميع الناس، لامركزية، وشفافة، وحيادية، وعصية على الرقابة، وهو ما يجعلها نقدًا ثوريًّا: إنها نظام عالمي إنترنتي متاح للجميع مهما اختلفت أعمارهم وألوانهم ومزياتهم وأجناسهم وأوطانهم. يمكن للآلات حتى أن تستعمل البيتكوين. لا يستطيع أحد أن يمنعك من إرسال البيتكوين من نظير إلى نظير حول العالم.

أما سلاسل الكتل الخاصة القائمة على الترخيص، فهي مغلقة، وغير شفافة، وهرمية التنظيم، ومركزية التخزين. تستطيع الشركة أو الحكومة التي تشغل النظام أن تقصيك وتمنع معاملاتك. ويمكنها أن تمنعك من إنفاق مالك. ليس هذا النظام غريبًا عليك، لأنه هو بعينه النظام المصرفي التقليدي الذي نعيش فيه.

البيتكوين إنترنت القيَم

البيتكوين ليس مجرد سك رقمي أو نقد إنترنتي. البيتكوين بنية تحتية عامة للإنترنت. إنه بروتوكول في الإنترنت تُتَناقل فيه القيَم بين الحواسيب التي يقوم عليها البشر، وبين الحواسيب المستقلة أيضًا. على سبيل المثال، لن تكتفي السيارات في المستقبل بأن تقود نفسها، بل وستذهب بنفسها إلى محطة الشحن عندما تحتاج إلى الشحن. في هذا السيناريو، تستطيع السيارة أن تدفع تلقائيًّا بالبيتكوين دون الحاجة إلى التدخل يدويًّا.

بروتوكول يدير تبادل المعلومات أو الإجراءات. اللغة بروتوكول. عندما أتكلم ثم أسكت قليلًا، تعرف محادِثتي أنها تستطيع أن تتكلم الآن. كل كلمة في النقاش تحمل معنًى، كل تعبير يغير نبرة النقاش. ينظم بروتوكول اللغة الإنسانية التواصل بين فردين أو أكثر. الحواسيب تتحادث أيضًا. على سبيل المثال، تستعمل الحواسيب بروتوكول SMTP (البروتوكول البسيط لدفع البريد) لتناقل رسائل البريد، وبروتوكول FTP (بروتوكول نقل الملفات) لتراسل الملفات، وبروتوكول HTTPS (بروتوكول نقل النص الفائق الآمن) لزيارة صفحات الويب. هذه البروتوكولات تحدد كيفية تبادل البيانات حتى تتفاهم الحواسيب فيما بينها.

نضَد بروتوكولات الإنترنت

يمكن مقارنة بروتوكول البيتكوين ببنية نضَد بروتوكولات الإنترنت.

الشكل[23] البيتكوين مرفق عام

سلسلة كتل البيتكوين هي بروتوكول جديد في الإنترنت يمكن مقارنته ببروتوكول TCP/IP الذي يقوم عليه الإنترنت. على أساس سلسلة الكتل في البيتكوين، يتناقل بروتوكول البيتكوين القيم بطريقة تشبه بروتوكول دفع البريد. وعلى أساس هذا البروتوكول، نجد البيتكوين بوصفه تطبيقًا يمكن مقارنته بتطبيقات البريد الإلكتروني مثل جيميل أو أوتلوك. هذه هي الطبقة القاعدية (الأساسية) للبيتكوين.

شبكة البرق

فوق الطبقة القاعدية للبروتوكول، يمكن بناء طبقات إضافية، مثل شبكة البرق، التي لم تزل تعمل منذ 2018. لذلك تسمى هذه الشبكة بروتوكول طبقة ثانية. تتيح شبكة البرق إرسال مقادير صغيرة من البيتكوين لكن بسرعة كبيرة وفي الوقت نفسه تتيح إرسال عدد غير محدود من الدفعات في الثانية الواحدة. لم يكن هذا الأمر ممكنًا في الطبقة القاعدية للبيتكوين بسبب محدودية حجم الكتلة. تضيف هذه الشبكة أيضًا مزيدًا من الخصوصية عند استخدام البيتكوين، لأنها تعمل من خلال قنوات دفع خاصة بين آلاف العقد. تقفز دفعات البرق من عقدة إلى أخرى، دون أن تعرف أي عقدة من هو مرسلها. فوق بروتوكول البرق، تُبنى تطبيقات أخرى كالمحافظ وخدمات الإقراض وغيرها، حاملة خصائص البيتكوين الأمنية معها.

كيف يُنتَج البيتكوين

كنا نتحدث عن البروتوكولات والقواعد الرياضية التي تنظم عمل البيتكوين. تعرّف مجموعة من القوانين كيفية إنتاج البيتكوين ودورانه في السوق. لا يمكن تغيير هذه القوانين إلا بإجماع كل الأطراف في شبكة البيتكوين. لا يستطيع الأفراد ولا المؤسسات ولا الحكومات تغيير قوانين البيتكوين بطريقة أحادية الجانب.

في نظامنا النقدي الحالي، نظام العملات الحكومية، يتولى المصرفيون المركزيون إنتاج النقد. تنظم المصارف المركزية وتسيطر على مخرَجات الأوراق النقدية والمسكوكات، وعلى مقدار الائتمان الذي تستطيع المصارف التجارية إقراضه، بتحديد معدل الفائدة والتأثير من ثم على قيمة كل وحدة نقدية.

يُنتَج البيتكوين بعملية لامركزي تسمى التعدين، بعيدًا عن أيدي أصحاب السلطات السياسية ذات الأجندة. استُعمل مصطلح «التعدين» لتسمية هذه العملية، لأنها شبيهة بتعدين الذهب، من حيث أنها تحتاج إلى عمل وطاقة.

ما هو تعدين البيتكوين؟

إذا أردت استعمال البيتكوين، فلا حاجة لك إلى فهم التعدين، لكن إذا كنت مهتمًّا بتفاصيل ما يفعله المعدنون وكيف ينتَج البيتكوين، فأكمل القراءة.

التعدين بكلمات سهلة

تخيل أنك تريد ملء متحف بأعمال فنية من أحاجي الجيغسو، تسهم فيه كل أحجية بإثراء مظهر المتحف للزوار. القوانين واضحة: لا تعلَّق في المتحف إلا الأحاجي المجموعة بطريقة صحيحة والتي فازت في المنافسة. ستختار الطفل الذي حل أصعب الأحاجي أولًا، وستكافئه. لن تريد أن يستطيع الأطفال الغش أو معرفة الأحجية الفائزة قبل الأوان. الآن أرسل 10,000 طفل إلى أرجاء العالم بالأحجية نفسها، وليبدؤوا تركيبها في الوقت نفسه. الطفل الذي يجمع القطع أولًا بالطريقة الصحيحة يفوز بالجائزة. لقد أثبت هذا الطفل أنه عمِل، وهذه الأحجية المحلولة دليل على عمله.

لا يمكن إفساد عملية حل الأحجية، لا يمكن وضع القطع في مكان خاطئ، ولا يمكن اختيار الفائز عشوائيًّا. الطفل الأسرع هو صاحب الجائزة. هذه هي القوانين. لا يمكنك أن تغي القوانين إلا إذا قرر أولياء الأمور والأطفال ومصممو الأحجية والقائمون على المتحف كلهم معًا تغييرها. هنا، عندما نتكلم عن الجائزة، فهو تشبيه بإنتاج البيتكوين.

هذا تقريبًا هو مدار برهان العمل. تعمل آلاف الحواسيب حول العالم لحل ألغاز رياضية في الوقت نفسه، لتنتج دليلًا على أنها استهلكت مقدارًا من الجهد، ولتزيد لامركزية توزيع الجوائز في الوقت نفسه، حتى لا يستطيع أحد التآمر أو توقع المعدن الذي سيضيف الكتلة التالية إلى السلسلة. إن الجهد الذي يبذله المعدنون للتحقق من المعاملات وتشكيل الكتل يثبت عملهم ويحمي سلسلة الكتل في الوقت نفسه. لا يمكنك أن تغير الماضي في سلسلة الكتل دون إنفاق مقدار هائل من المال على البنى التحتية والكهرباء لإعادة كتابة سلسلة الكتل. لذلك فالهجومات على شبكة البيتكوين ممكنة نظريًّا لكن مكلفة جدًّا عمليًّا.

التعدين بالتفصيل

تخيل أنك تستعمل البيتكوين وأن عندك على هاتفك محفظة بيتكوين مثبتة. طلبتَ منتجًا من الإنترنت، واخترت الدفع بالبيتكوين. سيظهر لك الموقع عنوان البيتكوين لتستعمل محفظتك وترسل المقدار المطلوب. بعد ذلك يحدث ما يلي:

توقّع محفظتك التحويل. ثم تبثّه في شبكة البيتكوين ليدخل حوضًا من المعاملات غير المؤكدة، يسمى حوض الذاكرة. يتسلّم الموقع التحويل وتتحقق عقدته الخاصة من صحته. لكنه ينتظر لتأكيد أن التحويل أُضيف بنجاح إلى كتلة في سلسلة الكتل، وهو ما يدل على تمامه. خلال هذا الانتظار، ترى في محفظتك أن الدفع أُرسل لكنه لم يزل معلّقًا، أي إنه لم يثبت بعد في سلسلة الكتل. لم يزل التحويل صفر التأكيدات إلى الآن.

في الوقت نفسه، يرى المعدنون تحويلك في حوض الذاكرة في عقدهم. معدّنات البيتكوين هي أجهزة تدعى الدارات المتكاملة المتخصصة بتطبيق. الوظيفة الوحيدة لهذه الأجهزة هي تشغيل خوارزمية التعدين وحل الأحجية بأسرع وقت ممكن. في العالم مئات الآلاف من هذه الأجهزة، موزعة في أرجائه.

يشغّل المعدنون أيضًا برنامج العقدة الكاملة الذي يتحقق من صلاحية معاملتك، ومن اتباعها لكل قواعد البروتوكول ومن أنك تملك مقدار البيتكوين الكافي لدفع المعاملة. إذا تحققت هذه الشروط، يضيف المعدن معاملتك إلى قالب الكتلة. لكن قبل كل شيء، عندما ينشئ المعدن قالب كتلته، يضيف إليه معاملة «توليد» بيتكوين، تدفع له إذا فاز في سباق التعدين 6.25 بيتكوين. بعد بناء هذه المعاملة، تختار الحواسيب المعاملات من حوض الذاكرة ثم تضيفها إلى القالب.

في الوقت نفسه، تبدأ حواسيب التعدين حل الأحجية الرياضية. تتنافس حواسيب التعدين فيما بينها عالميًّا. أوّل معدّن يحل الأحجية يبث الكتلة التي أضافها إلى العُقَد النظيرة له، التي تتحقق منها وتمررها إلى النظائر الأخرى، وهكذا حتى تتحقق كل عقدة على الشبكة من الكتلة وتخزنها. بعد أن تُضاف 99 كتلة أخرى إلى سلسلة الكتل، يُتاح للمعدّن الرابح أن يتصرّف بجائزته التي وُلّدت سابقًا، التي تبلغ 6.25 بيتكوين.

يتسلّم المدفوع له –أو بالأحرى، تتسلّم عقدته– الكتلة ويتحقق منها مرة أخرى ويؤكّد إرسالك. أضيف إرسالك الآن إلى السلسلة في كتلة من كتلها، وأصبح تامًّا. يصل إليك في محفظتك إشعار بوصول الدفع إلى المدفوع له. ترى بعد ذلك في المحفظة أن إرسالك مؤكد تأكيدًا واحدًا. بعد 10 دقائق تقريبًا تُنشأ كتلة جديدة وتضاف بعد الكتلة الحاوية لإرسالك. بعد مرور ست كُتَل، يُعَدّ إرسالك غير قابل للتراجع عمليًّا.

يعتمد الوقت الذي تسوّى فيه معاملتك على رسوم المعاملة التي تختارها وتدفعها. كلما كانت الرسوم أعلى، كان المعدنون أسرع إلى إدخال معاملتك في الكُتَل التي ينشئونها، لأنهم يكسبون هذه الرسوم بالإضافة إلى مكافأة الكتلة.

لماذا هذه الأحجية الرياضية؟ برهان العمل شديد الاستهلاك للموارد لأن الحواسيب فيه تحتاج إلى مقادير ضخمة من الطاقة. هذه الحقيقة تجعل البيتكوين محل انتقاد في ضوء التغيرات المناخية التي سببناها نحن البشر في العقود السابقة. سيناقش فصل «الأثر البيئي للبيتكوين» هذه المسألة بتفصيل أكبر.

لماذا نحتاج إلى كل هذه الكهرباء؟ الجواب هو الأمان واللامركزية. إن الحاجة إلى بذل الجهد والطاقة في التعدين تحمي البيانات في سلسلة الكتل من التحريف وتجعلها عصيّة منيعة من التغيير والرقابة. لا تستطيع أي دولة أو منظمة تغيير سلسلة الكتل.

منذ إنشاء سلسلة كتل البيتكوين عام 2009، لم يحدث قط أن اختُرقت. أُنتِج نحو 18.74 مليون سك من البيتكوين إلى الآن، تبلغ قيمتها اليوم أكثر من ستمئة مليار دولار (يونيو 2021). ولئن كان أي اختراق ناجح لشبكة البيتكوين داعيًا للقلق وهادمًا لكثير من الثقة، فإنه يحتاج على الأقل إلى أن تكون 51% من قوة تعدين البيتكوين متمركزة تحت يد مالك واحد أو تكتّل واحد. إذا حدث هذا التمركز، سيستطيع الطرف الفاسد إنتاج الكتل بوتيرة أسرع من بقية المعدنين، وهو ما يعني أنه يستطيع نظريًّا محو الإجماع. لكن هذا الهجوم لن يستطيع –دون التواقيع– سرقة أي بيتكوين أو تغيير مالكه، أو التصرف به. كل ما يستطيع المهاجمون فعله هو أن ينفقوا ما يملكونه من البيتكوين إنفاقًا مزدوجًا في الكتل الحديثة ويسببوا اضطرابات حرمان الخدمة في إنشاء الكتل المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، لو نجح أي هجوم على البيتكوين، لانشعبت سلسلة الكتل كما فعلت عدة مرات من قبل. يستطيع المشاركون في سلسلة الكتل اختيار الانتقال إلى دعم السلسلة «الجديدة» أو البقاء ودعم السلسلة «القديمة». هذا الانشعاب الناتج عن القوانين الجوهرية في البيتكوين يُسمّى افتراقًا صلبًا. أثبت الافتراق الصلب بين البيتكوين والبيتكوين–كاش في عام 2017 أن هذا الأمر وإن حدث فلن يؤثر في شرعية سلسلة الكتل.

ثاني أكبر هدف من أهداف التعدين هو ضمان اللامركزية. من جهة أولى، لجعل إنشاء النقد مستقلًّا عن الكيانات المركزية ومعاقل النفوذ البشرية كالمصارف المركزية، ومن جهة ثانية لضمان عدم قدرة أي معدّن على الاستبداد بسلسلة الكتل وتحريفها. إن مهمة الحساب صعبة جدًّا، وهي في الوقت نفسه كالقُرعة، لا يحكم فيها إلا الحظ. نتيجة ذلك، لا يمكن توقع الحاسوب الفائز قبل فوزه، وهو ما يمنع التغيير في سلسلة الكتل. إذا كنت لا تعرف الذي سيسبق، فلن تستطيع التلاعب به لاكتساب الجائزة.

إذا كنت تفكر في أن تبدأ استخدام البيتكوين، فكن على طمأنينة من أن سلسلة الكتل محمية وموزعة توزيعًا متساويًا على آلاف الحواسيب المختلفة. هذه السلسلة آمنة جدًّا جدًّا. إن أهم مهمة أمامك هي أن تحافظ على حيازتك لما تملكه من البيتكوين وعلى أمان مفاتيحك الخاصة (كلمة سرك).

21 مليون بيتكوين

تُنتَج سكوك البيتكوين، كما شرحت الصفحات السابقة، عندما يحل حاسوب معدّن مهمة حوسبية ويكون السابق إلى إضافة الكتلة الجديدة إلى السلسلة.

يقبض المعدنون اليوم 6.25 بيتكوين لقاء هذا العمل. هذه الجائزة دافع للمعدنين ليحافظوا على سلوكهم الإيجابي في الشبكة، ووازع لهم عن التعامل مع من يريد مهاجمتها.

التنصيف

تنصّ قواعد البيتكوين على تنصيف جائزة المعدنين كل 210,000 كتلة، أي كل أربع سنين تقريبًا. في أول الأمر كانت الجائزة 50 بيتكوين. منذ مايو 2020 هي 6.25 بيتكوين. وفي 2024 ستتنصف إلى 3.125 بيتكوين في كل كتلة. يُعرَف هذا الحدث باسم التنصيف.

كتب ساتوشي ناكاموتو هذه التنصيفات في برنامج البيتكوين. يتقلص مقدار المخرَجات مع الوقت، حتى يتسطّح منحني المعروض.

الشكل[24] كود فاصل التنصيف في برنامج البيتكوين المكتوب بلغة C++

شرح أندرياس أنتونوبولس

تسعى هذه الخوارزمية إلى الصفر، فتجعل سقف المعروض 21 مليون بيتكوين. في السوق اليوم 18.7 مليون بيتكوين. في 2140 ستكون سكوك البيتكوين الواحد والعشرون مليونًا أُنتجت كلها. سيستمر التعدين وستصبح مكافأة التعدين معتمدة حصرًا على رسوم المعاملات. في ذلك الوقت، يُتوَقَّع أن يكون اعتماد البيتكوين عاليًا جدًّا وأن تكون رسوم المعاملات كافية لتقديم مكافأة عادلة للمعدنين.

الشكل [25] عرض البيتكوين الإجمالي مع الوقت

لماذا 21 مليونًا؟

لماذا اختار ساتوشي ناكاموتو 21 مليونًا سقفًا للعرض؟ في المسألة نظريات كثيرة، لكن دونك إجابة ساتوشي.

الشكل [26] شرح ساتوشي ناكاموتو لسقف العرض بواحد وعشرين مليونًا

وحدات البيتكوين

أصغر وحدة تقويم في البيتكوين هي الساتوشي. كل سك من البيتكوين مؤلف من 100,000,000 ساتوشي. الساتوشي الواحد هو جزء من مئة مليون جزء من سك البيتكوين الكامل.

لست مضطرًّا إلى بيع أو شراء سك كامل، يمكنك البدء على نطاق صغير والتعامل بأجزاء من السك.

البيتكوين، وسكوك البيتكوين

تستعمل كلمة البيتكوين عند الحديث عن شبكة البيتكوين وسلسلة كتله والمجتمع الدائر حوله والمفهوم ككل، أما عبارة سكوك البيتكوين فتستعمل عند الحديث عن وحدة العملة.

إن كلمة سك في الحقيقة ليست دقيقة في وصف الأصل الرقمي، لأن فيها شيئًا من اللبس. المصطلح التقني هو «مخرَج المعاملة غير المنفَق». المخرج غير المنفق هو مقدار القيمة المخزنة على سلسلة الكتل من أجل عنوان بيتكوين محدد. ولمّا كان هذا المفهوم قادرًا على حمل مقادير مختلفة ومتنوعة من القيمة، كان وصفه بالسك وتصريف جمعٍ له محل جدل. لكن لأن ساتوشي ناكاموتو استخدم الجمع، فإننا نقبله. أما البيتكوين من حيث هو شبكة وسلسلة كتل فلا يمكن جمعه.

من هو ساتوشي ناكاموتو

أما هذه الأحجية فلا سبيل إلى حلها، لأن ساتوشي ناكاموتو لا أحد. هذا الاسم اسم فني منتحل. قد يكون وراءه فرد أو مجموعة من علماء التعمية والبرمجة وغير ذلك. في 18 أغسطس 2008، سجّل رجل غير معروف نطاق bitcoin.org. بتسجيل هذا النطاق بمساعدة شركة في بنما، حافظ هذا الرجل على هويته إلى اليوم.

في 1 أكتوبر 2008، ظهر ساتوشي ناكاموتو على «قائمة بريد التعمية» وشرح في رسالة له عمله على نظام نقد إلكتروني، ونشر رابطًا إلى ورقة البيتكوين البيضاء على https://bitcoin.org/bitcoin.pdf.

لم يكن هال فيني، عالم التعمية الأمريكي وخبير الحواسيب، حديث عهد بمفهوم النقد الرقمي. لكن الحلول السابقة لم يكن أي واحد منها ناضجًا تقنيًّا أو مفهوميًّا بما يكفي ليستعمَل على نطاق واسع. طرقت أخبار ساتوشي ناكاموتو مسامع هال فيني فرأى الأمر مثيرًا للاهتمام، وبدأ يتواصل مع ناكاموتو. في 3 يناير 2009، عدّن ناكاموتو أول كتلة بيتكوين عامة، الكتلة التي تسمّى «كتلة التكوين». منذئذ، يُحتفَل بالثالث من يناير عيدًا لميلاد البيتكوين.

في 8 يناير 2009، أطلق ناكاموتو أول إصدار من برنامج البيتكوين.

كان هال فيني أول من ثبّت البرنامج على حاسوبه بعد ناكاموتو، واشتهرت تغريدته «أشغّل البيتكوين» المنشورة في 11 يناير 2009، واشتهر بتسلّمه إرسالًا من ساتوشي. تُوُفّي هال فيني من علّة في أعصابه بعد مدة من ذلك. فهل كان يعلم من المختبئ وراء الاسم المنتحل، ساتوشي ناكاموتو؟

حتّى 26 أبريل 2011، خاض ساتوشي نقاشات عن شبكة البيتكوين، فأجاب عن أسئلة المطورين الآخرين، وشرح بعض الخصائص في البرنامج، وبيّن بعض الدوافع وراءها. كانت آخر رسالة تركها ساتوشي ناكاموتو في مارس 2014، بعد أن نُشر في وسائل الإعلام تقرير يفيد بمعرفة «مخترع البيتكوين». في سان فرانسيسكو، تأثَّرت مجلة أخبار أسبوعية رجلًا يدعى دوريان ناكاموتو، وهو أمريكي من سلالة يابانية. ادُّعي أن هذا الرجل هو العقل وراء البيتكوين. في آخر رسالة له، نفى ساتوشي أن يكون دوريان، بقوله «لستُ دوريان ناكاموتو».

الاستثمار في البيتكوين

إذا كنت قد وصلت بقراءتك إلى هنا، فقد استثمرت من الوقت والجهد مقدارًا لتعلّم البيتكوين. لماذا ينبغي –أو لا ينبغي– أن تبدأ استخدام البيتكوين بنفسك؟ نصيحتي ألا تبدأ ذلك حتى تكون متيقنًا من إرادتك لتجريبه.لا تستثمر في البيتكوين إلا بقدر ما لا يقلقك – أو بقدر ما أنت مستعد لخسارته في أسوأ الاحتمالات.

كلما زادت معرفتك للبيتكوين وتكرر استخدامك له، زادت ثقتك فيه. لقد بحثت في الموضوع ثلاثة أشهر قبل أن أثبّت أول محفظة بيتكوين وأشتري بمقدار 75 يورو. أريد أن أساعدك على اتخاذ قرارك، لذلك سنبدأ الآن مناقشة أشهر الحجج للبيتكوين وضده.

حجج ضد البيتكوين

التقلب

البيتكوين متقلّب، لن تستطيع استخدامه وسيلة للتبادل.

نعم، سعر البيتكوين متقلب، قد يخسر أو يربح كثيرًا من القيمة في يوم واحد. إذا أردت أن تشتري شيئًا بالبيتكوين، فهو في مقدورك. لكن اشتر المقدار نفسه الذي استهلكته من البيتكوين في اليوم نفسه. لا تقلب ولا خسارة ولا ربح.

نمو السعر

لا يصلح البيتكوين مخزنًا للقيمة لأن سعره يتغير.

انظر إلى البيتكوين على أنه استثمار على المدى الطويل، لقد كان البيتكوين أفضل مخازن القيمة أداءً بين كل أصناف الأصول في العقد الماضي.

الشكل[27] البيتكوين أفضل أصل في السنوات العشر السابقة لعام 2021

هذا الأمر ليس ضمانًا أن أداءه سيستمر هكذا إلى الأبد.

إبّان كتابتي لهذه الكلمات، كان البيتكوين في سوق صعود، بدأت في الربع الأخير من عام 2020. تزايد سعر البيتكوين في فترة أسابيع وأشهر ولم يتراجع فيما بين ذلك. في مايو 2021 هبط السعر هبوطًا يمكن تفسيره بأنه هبوط صحّي لسوق بالغت في الصعود. بدأت آخر سوق صعود في عام 2017 وانتهت في بداية 2018. منذئذ لم يزل السعر يراوح، أي لم يشهد أي حركة صعود أو هبوط كبيرة.

الشكل [28] نمو سعر البيتكوين

يتبع نمو سعر البيتكوين أدوار التنصيف. كل 4 سنوات تقريبًا ينصَّف مقدار البيتكوين المعدَّن. أي إن نمو المقدار المتاح من البيتكوين في السوق يتقلص. حتى لو بقي الطلب على البيتكوين في مكانه، سيزداد سعره.

الندرة الرقمية

مقدار عرض البيتكوين الإجمالي مسقوف بواحد وعشرين مليونًا، منها 18.7 مليون في السوق اليوم. كل أربعة أعوام (تحديدًا كل 210,000 كتلة)، يُقلَّص مقدار البيتكوين المسكوك إلى النصف. حاليًّا، تولّد عملية التعدين 6 سكوك وربع من البيتكوين كل 10 دقائق، وهو ما يعادل 900 سكٍّ في اليوم أو 328,500 في العام. من عام 2024، لن يعدَّن في اليوم إلا 450 سكًّا، إذ لن يصدر مع كل كتلة جديدة إلا 3 سكوك وثُمن السك. يعني هذا أن المقدار المتاح كل يوم سينخفض وسيصبح العرض أقرب إلى الندرة. إذا تزايد الاهتمام بالبيتكوين في الوقت نفسه، صعد السعر صعودًا متسارعًا.

اليوم في مايو 2021، لا بد أن يتدفق 36 مليون دولار (مقدار البيتكوين المعدن في اليوم مضروبًا بالسعر) كل يوم إلى سوق البيتكوين، حتى يحافظ على استقرار السعر الحالي (40,000 دولار). عندما يهبط السعر، فمعناه أن مقدار البيتكوين الذي بيع في هذا اليوم أقل من المقدار المتاح، والعكس بالعكس.

تواريخ التعدين مبيّنة في المخطط أدناه. يتبع السعر أنماطًا مشابهة قبل وبعد كل تنصيف. في هذا المخطط، يتوقع أن تكون قمة السعر في سبتمبر 2021، ليهبط بعدها السعر من جديد كما نرى في الخطوط الدنيا. ليس هذا طبعًا إلا توقعًا مبنيًّا على بعض الأحداث التاريخية والأرقام. لا يمكننا أن نضمن حدوث هذا في المستقبل.

الشكل [29] دورات السعر والتنصيف

منذ انطلاقة البيتكوين عام 2009، حدثت انهيارات متعددة في السعر. كن على استعداد لانهيار جديد. السؤال هو كم سينخفض السعر، لأنك سترى على المقياس اللوغارتمي أن البيتكوين لم يكتسب إلا مزيدًا من القيمة على المدى الطويل.

الشكل [30] سعر البيتكوين على المقيس اللوغارتمي

لا تحاول أن تفوق السوق ذكاءً، لا تتاجر. أمسك بما تملكه من البيتكوين. خمسة أعوام على الأقل.

إذا دخل البيتكوين سوق هبوط، وأصبح السعر ينخفض، ستخسر قيمةً إذا كانت حساباتك بالعملات الحكومية. لكن ما تملكه من البيتكوين يبقى ثابتًا. إذا كنت تملك ثلاثة أعشار سك البيتكوين في سوق الصعود، فإنك تملك ثلاثة أعشاره في سوق الهبوط. الخسائر في ذهنك فقط، بناءً على العملة أو الأصل الذي تقارن به البيتكوين. كن صبورًا وانتظر ولا تبع–يدل التاريخ على أن الإمساك على المدى الطويل طريقة مؤكدة لحماية القيمة.

لا تضع في البيتكوين إلا ما أنت مستعد لخسارته. إذا لم تستطع النوم في أيام الهبوط، فلعلّك وضعت كثيرًا من المال في هذا الأصل الخطر.

لا تراجع

إذا أرسلت البيتكوين إلى العنوان الخاطئ، فقد ضاع. لن يمكنك أن تستعيده.

تأكّد من العنوان ثلاث مرات قبل أن ترسل إليه. لا يمكنك أن تتراجع عن دفع في البيتكوين. كما في النقد الحكومي، إذا اشتريت شيئًا من متجر على الإنترنت وأردت رجعه واسترجاع المال، فالأمر مسؤولية صاحب المتجر أن يرسل إليك النقد. لكن مجرد الخطأ في العنوان سيؤدي إلى خطأ يمنع الإرسال أصلًا، لأن العناوين تحتوي على فحوص سلامة.

لا تأمين

في المناطق المتقدمة من العالم، ودائع البنوك (التي لا تزيد عن مئة ألف يورو في أوروبا) مؤمّنة. وهو خلاف الحال في البيتكوين.

نعم، صحيح. إذا كنت القائم على حيازة ما تملكه من البيتكوين، فأنت المسؤول الوحيد. لا تأمين. لكن لا تغفل عن أن هذه التأمينات التي تتحدث عنها قد تتخلف عن الدفع لك إذا ظهرت أزمة مالية كبيرة. في أيام الأزمة المالية في قبرص عام 2013، صُودرت 47.5% من كل ودائع البنوك التي تزيد على 100,000 يورو. أما إذا كنت قائمًا على حيازة ما تملكه من البيتكوين بنفسك، فلن يستطيع أحد أن يصادره.

إذا فتحت عينيك وفكرت في بقية العالم، التي يعيش فيها مليارا إنسان دون بنك، ويعيش 80% من الناس في دول سلطوية، ستظهر لك الحجة الداعمة للنقد المنيع على الرقابة كالبيتكوين، النقد الذي يملّكك أنت زمام الأمر، لا البنك. في هذه البلدان، التي لا تأمين فيها أصلًا، يستطيع البيتكوين أن يقدّم نوعًا من الأمان.

لا أستطيع الاستثمار

لا أستطيع شراء بيتكوين، إنه غال جدًّا.

لا بأس، ليس عليك ذلك. ليس لاستعمال البيتكوين مقدار مطلوب أدنى. يمكن تقسيم البيتكوين إلى وحدات صغيرة جدًّا، أصغر بكثير من السنت الأمريكي. يمكنك أن تشتري جزءًا من سك بيتكوين، وأن تبدأ اللعب بعشرين دولارًا أو أقل.

يمكنك كذلك أن تجني البيتكوين، ستجد مزيدًا عن هذا في فصل «جني البيتكوين».

سيخفق البيتكوين كما أخفقت شركات الإنترنت الأولى

البيتكوين تقنية جديدة. هو الأول من نوعه. عندما تقارن هذا بشركات الحاسوب الأولى في ثمانينيات القرن العشرين أو بمنصات الإنترنت الأولى أيام فقاعة الإنترنت، ستجد أن هذه الشركات أخفقت معظمها. البيتكوين كان أول سلسلة كتل في السوق، فلعلّه سيلاقي المصير نفسه.

لم يزل البيتكوين هو أوسع العملات التعموية استخدامًا منذ نشأته عام 2009. نعم، ما من ضمان يضمن أنه سيستمر هكذا في المستقبل. كانت هيمنة البيتكوين في السوق أكثر من 80% قبل عام 2017. معنى ذلك أن أكثر من 80% من كل الاستثمارات في سوق العملات الرقمية كان في البيتكوين. تغير هذا في 2017–18 عندما اندلعت «حرب» بين أفكار مختلفة بشأن مستقبل تقنية البيتكوين. انتهى جدال حجم الكتلة بافتراق صلب، انشعبت فيه سلسلة كتل البيتكوين إلى سلسلتين: البيتكوين، والبيتكوين–كاش. في ذلك الوقت، اكتسبت مشاريع العملات التعموية الأخرى أهميتها. بعد أربعة أعوام، انحدر البيتكوين–كاش حتى أصبح مهملًا أمام البيتكوين. حافظ البيتكوين على هيمنته فوق 60% إلى أن جاء الصعود الحالي، الذي انحدر بعده إلى 40% في وقت هذه الكتابة. تؤدي سوق الصعود إلى اهتمام أوسع بالبيتكوين، وهو ما يقود إلى مقالات إعلامية مضللة كثيرة، تُضاف إليها إشاعات المليارديرية ومضارباتهم، حتى تصعد العملات البديلة وتصبح محل التركيز.

الشكل [31] نسبة القيمة السوقية الإجمالية

كان انتعاش هيمنة البيتكوين في السوق بعد أزمة الافتراق الصلب في 2017 علامة قوة دفعت كثيرًا من الخبراء أمثال المحللة في الاقتصاد الكبير لين ألدن والمستثمر الأمريكي مايكل سايلور، إلى الاعتقاد بالإمكانات المستقبلية للبيتكوين بوصفه الفائز الذي سيأخذ السوق كله. وحتى لو ظهرت في العملات البديلة ابتكارات تجعلها أمام البيتكوين، فما من شك أن مطوري البيتكوين سيضيفون هذه الابتكارات أيضًا.

لقد أخفق البيتكوين

لا يستعمل البيتكوين إلا قلة من الناس. بعد 12 عامًا من وجوده، يجب أن يكون عدد المستخدمين أكبر. لقد أخفق البيتكوين.

لمّا كان استخدام البيتكوين من حيث المبدأ غير متعلق بالهويات، كان من المستحيل إحصائيًّا معرفة عدد مستخدمي البيتكوين. أما عدد عناوين البيتكوين فلا يعطينا أي فكرة بشأن عدد المستخدمين. قد يملك فرد واحد ملايين العناوين، وفي حالة المنصات المركزية، قد يجتمع آلاف الناس في عنوان ائتماني واحد كبير.

على منصات التداول المركزية هذه أن تتحقق من هويتك قبل أن تسمح لك بشراء البيتكوين بالعملات الحكومية. تظهر الإحصائية التالية أن أكثر من 101 مليون إنسان حول العالم يملك حسابًا في منصة من هذه المنصات. أما الذين استطاعوا أن يحصلوا على بعض البيتكوين في أيامه الأولى، أو الذين يتعاملون خارج حدود المنصات المركزية، فلا تشملهم هذه الإحصائية.

الشكل [32] عدد مستخدمي الأصول التعموية الذين تحُقِّق من هويتهم (بالملايين)

نحو 1.3% من سكان العالم يملكون حسابًا في منصة تداول عملات رقمية، هذا في أواخر 2020، بمعدل نمو بلغ 190% بين 2018 و2020. مع هذا، قد يقال إن هذا ليس كافيًا. لكن هذا الأصل الجديد، هذا النقد الجديد، الذي نشأ حركةً شعبيّةً لا تقودها شركة ولا يقوم على تسويقها أحد، وصل إلى نقطة أصبح فيها واسع الشهرة، يناقشه ويستخدمه أكثر من 100 مليون إنسان حول العالم.

الشكل [33] المستجيبون الذين قالوا إنهم يملكون أو يستخدمون عملات تعموية 2020

هذه نتيجة استطلاع في عدد من البلدان المختارة، تظهر أن 32% من سكان نيجيريا استعملوا أو يملكون شيئًا من العملات التعموية. لا تنس أن سكان نيجيريا متوسط أعمارهم 19 عامًا، أما متوسط الأعمال في أمريكا فهو 38 عامًا، وأما في ألمانيا فوسيط الأعمار هو 44 عامًا. النيجيريون شباب، محبون للعمل وخبراء بالتقنية ومقدّرون للعملات التعموية رغم تقلبها، لأن عملتهم الوطنية النيرة (Naira) تخسر 25% من قيمتها بالمتوسط كل عام.

إذا أردت معرفة المزيد عن البيتكوين في نيجيريا، افتح متصفحك واذهب إلى:

anita.link/88, anita.link/66 and anita.link/63

حد معاملات البيتكوين

شبكة البيتكوين لا تستطيع معالجة إلا سبع معاملات في الثانية. لا يكفي هذا الحد للحفاظ على شبكة دفع عالمية. إذا كان جميع الناس يستعملون البيتكوين، فلن تكفيهم الشبكة، وسيصبح الحمل عليها أكبر من طاقتها.

لم تزل شبكة البرق تنمو وتُطوَّر منذ نشأتها في 2018. هذا البروتوكول يعمل فوق سلسة كتل البيتكوين. يتوقَّع من شبكة البرق أن تستطيع معالجة آلاف عمليات الدفع الصغيرة في الثانية بعد سنوات قليلة، وقد أظهرت حتى اليوم درجة جيدة من النجاح في عمليات الدفع اللحظية عبر القارّات. ستستعمل سلسلة الكتل في البيتكوين طبقة لتسوية العاملات الكبيرة، أما المعاملات الصغيرة كشراء القهوة مثلًا، فستتولاها شبكة البرق. أنت المستخدم لا حاجة لك إلى معرفة كيفية عمل هذا الأمر. معظمنا لا يعرف كيف تعمل نتفلكس أو كيف يُرسل البريد الإلكتروني، وإن كنا نستعمل هذين الأمرين كل يوم.

تمركز مجامع التعدين

مجمع التعدين هو بنية «تجمع» الموارد الحاسوبية التي يقدمها المشاركون فيه لزيادة احتمال أن يجد كتلة جديدة، يؤدي هذا الجمع إلى زيادة مقدار المكافآت المدفوعة للمشاركين.

نعم، يمكن أن تتمركز مجامع التعدين في أماكن أو أقضية معينة، كالصين قبل أن تمنع حكومتها السلطوية تعدين البيتكوين في يونيو 2021، ولكن هذا لا يجعلهم أصحاب نفوذ بالحجم الذي تتخيله. أولًا، مجامع التعدين تتألف من آلاف المعدنين الأفراد. فإذا كان مجمع التعدين في الصين فلا يقتضي ذلك أن المعدنين الأفراد كلهم في الصين. يريد أصحاب أجهزة التعدين أن يضمنوا أن يكون المجمع الذي يشاركون فيه ذا سلوك متسق مع فلسفة البيتكوين. في حالة الاختلاف، لا شيء يمنع المعدنين من تغيير مجامعهم. في 2013، وصل مجمع التعدين المسمى GHash.io إلى أكثر من 50% من قوة التعدين في البيتكوين لفترة قصيرة، وهو ما دفع المعدنين إلى توجيه قوتهم التعدينية إلى مجامع أخرى لتجنب أي تمركز ضار محتمل. إن انخفاض كلفة تبديل المجمع نظام يضمن ويوازن سلوك المعدنين المنظم لنفسه.[34]

الشكل [35] نظرة عالمية إلى مناطق تعدين البيتكوين. المناطق المهمة الكبيرة ملونة بالشرشيري، وسيشوان بالأزرق، أما بقية المناطق الصغيرة فملونة بالأسود.

كان افتراق عام 2017 الصلب بين البيتكوين والبيتكوين–كاش مثالًا ثانيًا على تنظيم البيتكوين لنفسه. أراد المعدنون وأصحاب المنصات الكبيرة أن يُزاد حجم الكتلة في سلسلة الكتل في البيتكوين ليزداد مقدار المعاملات في كل كتلة. لم يرد مجتمع مشغلي الكتل ومستخدمي البيتكوين زيادة حجم الكتلة لأنه سيضر أصحاب سرعات الإنترنت المنخفضة. بدلًا من ذلك، اختار القوم حلول الطبقة الثانية كشبكة البرق لمعالجة هذه المشكلة. أدى هذا إلى «حرب حجم الكتلة»، التي حاول فيها المعدنون فرض بعض التغييرات على الشبكة. أدّى الأمر إلى افتراق صلب: انشعبت البيتكوين إلى البيتكوين والبيتكوين–كاش. بعد أربعة أعوام، نُسي أمر البيتكوين–كاش تقريبًا، أما البيتكوين فلم يزل أكبر عملة تعموية. هذا دليل على أن سلطة المعدنين ليست أكبر من سلطة المستخدمين.

حجج للبيتكوين

«البيتكوين نظام اختياري. استخدامك له يرجع إلى اختيارك. أنت الذي تختار التطبيقات التي تريد تشغيلها. أنت الذي تختار الذين تريد أن تعاملهم. أنت الذي تختار قواعد اللعبة التي تريد الالتزام بها. لذلك سينتصر البيتكوين. لأنه يقدم الابتكار الذي يريده المستخدم ويحتاجه». –أندرياس أنتونوبولس

تحول في النمط

أنا إنسان رقمي الوطن أعيش في جسدٍ وُلد في السبعينيات. أتذكر الحياة قبل الإنترنت، وحتى قبل مسجلات الفيديو. كان عندنا في النمسا محطة تلفاز واحدة، واحدة فقط. حصل والداي على أول خط هاتف أرضي عندما كان عمري 12 عامًا. عندما بلغت 14 عامًا بدأت استخدام حاسوبي الأول، وفي 1997 ثبتُّ أول اتصال إنترنت وبريد إلكتروني في المنزل. في العام نفسه لم يكن في العالم كله إلا مليون موقع إلكتروني، ولم يكن لغوغل ولا أمازون وجود عالمي.

رفض كثير من الناس الإنترنت، وقالوا إنه موجة ستزول. في عام 1995، كتب الفلكي والمؤلف كليفورد ستول مقالة عن الإنترنت في مجلة نيوزويك بعنوان «الإنترنت؟ باه!»

«ثم لدينا الأعمال الرقمية. لقد وُعدنا بالتسوق المباشر–أشر واضغط لتشتري بصفقات عظيمة. سنطلب تذاكر الطيران على الشبكة، وسنحجز في المطاعم ونتفاوض بشأن عقود المبيعات. ستصبح المحالّ التجارية أمرًا من الماضي. كيف إذن يعمل المجمع التجاري في حيي في ظهر يومٍ واحد أكثر من الإنترنت كله في شهر كامل؟ حتى لو كان في الإنترنت طريقة موثوقة لإرسال المال –وليس الحال كذلك– ستبقى الشبكة فاقدة لأهم عنصر من عناصر الرأسمالية: موظفو المبيعات». – كليفورد ستول [36]

سرّع شريط التاريخ إلى 2019، تجد شركة أمازون في أكبر عشر شركات في العالم، وتجد غوغل ويوتيوب في صدارة محركات البحث، وتجد على الإنترنت أكثر من 1.8 مليار موقع نشط. كان أول احتكاك لي بالبيتكوين وسلاسل الكتل في أبريل 2017 عندما سمعت حديثًا لشرمين فوشمغير. تذكرت مباشرة. بعد 20 عامًا من تركي لعملي في التخطيط الحضري وابتدائي العمل في ريادة الأعمال في الإنترنت، عرفت أن البيتكوين ضخم كضخامة إشراق الإنترنت عام 1997.

كان اكتشاف البيتكوين نشأةً لتقنية جديدة مبنية على الإنترنت الذي نستعمله للإعلام والتواصل. إنترنت النقد، الذي يتيح لنا تناقل القيمة عالميًّا دون حدود. لقد غير التواصل عبر الإنترنت العالم تغييرًا ضخمًا في العقود القليلة الأخيرة. فماذا سيكون أثر الحركة الحرة للقيمة في رأيك؟ سيغيّر البيتكوين وغيره من الأصول الرقمية العامة آليات النفوذ بين الدول لأنه أتاح فجأة نقل مقادير كبيرة من المال بسرعة كبيرة دون أي تعسير أو ملامسة للنظام المالي الحالي.

البيتكوين تقنية جديدة. إذا قارنّا نموها بالإنترنت، سنجد أننا الآن حيث كان الإنترنت عام 1997.

تمكين التغيير الاجتماعي

لطالما رفض أهل البلدان المتقدمة ذات الأنظمة الديمقراطية الفاعلة البيتكوين بوصفه أداة للمضاربة وخطرًا على الدول القومية. من هنا، يرى بعض الناس أن استهلاكه للكهرباء غير مسؤول بيئيًّا. بل بعض الناس يدعو إلى حظره. توقع أن يتزايد هذا النوع من النقد في السنوات القادمة.

يبلغ عدد سكان العالم 7.8 مليار إنسان. يعيش 8.4% منهم فقط في ديمقراطية كاملة، و41% منهم في ديمقراطيات معيبة، و15% في أنظمة هجينة، و35.6% في أنظمة سلطوية.

أكثر من 50% من سكان العالم يعيشون في بلدان بعيدة عن الديمقراطيات الحرة العادلة! 1.7 مليار إنسان لا يملك حسابًا في بنك ولن يملك. البيتكوين لهؤلاء الناس. [37]

إن أهل إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمثالهما هم الذين سيقودون اعتماد البيتكوين. أهم حالات استخدام البيتكوين هي:

الحماية من التضخم يظهر هذا الجدول من صندوق النقد الدولي التغير السنوي في أسعار المستهلكين بالنسبة المئوية.

الشكل [38] معدل التضخم، ومتوسط أسعار المستهلكين، والتغير السنوية بالنسبة المئوية.

  • شهدت فنزويلا ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 5,500%. إن معاناة هذا الشعب ببساطة فوق الوصف.
  • ارتفعت الأسعار في السودان 200% في 2021 وحدها.
  • واجه أهل زيمبابوي تضاعفًا في الأسعار مع بلوغ التضخم 100% بين 2020 و2021.
  • لم يقدم صندوق النقد الدولي بيانات بشأن الأرجنتين، لكن شريكي الأرجنتيني في المقابلات، فرانكو أماتي، أخبرني أن التضخم السنوي كان 50%.
  • شهدت نيجيريا تضخمًا بمعدل 16% في 2020.
  • بلغ معدل التضخم في تركيا عام 2020 13.6%.

من مايو 2020 إلى أبريل 2021، ارتفع حجم تداول البيتكوين في نيجيريا 40% من 287 مليون دولار إلى 399 مليون دولار. أظهر استطلاع جرى عام 2020 أن 32% من النيجرييين الذين استُطلعوا كانوا قد استخدموا أو ملكوا شيئًا من العملات التعموية. في الوقت نفسه، في الدول المتقدمة الديمقراطية كألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، لم يستخدم العملات التعموية إلا 5–6% من الناس.

الشكل [39] حجم تداول البيتكوين في منصات النظير للنظير في دول إفريقيا جنوب الصحراء من مايو 2020 إلى أبريل 2021

بالنظر إلى معدلات التضخم السنوية هذه، يعرف الناس أنهم محتاجون إلى تخزين ثروتهم في نقد قوي كالدولار الأمريكي، أو البيتكوين، وهو أفضل. إذا شرحت الفرق بين البيتكوين والعملات المحلية في هذه البلدان، سيفهم الجميع مباشرة كيف يمكن أن يدعمهم البيتكوين ولماذا.

قيود التداول بالقطع الأجنبي

تستعمل الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والديمقراطيات المعيبة قيود التداول بالقطع الأجنبي للحد من –ما يسمونه– المضاربة على عملاتها الضعيفة. لما كان القادة السلطويون يريدون الحد من قدرة الناس على الالتفاف على أنظمتهم القمعية، كان من شأنهم أن يفرضوا تشريعات من هذا القبيل:

  • لا تتيح قيود نقل رأس المال في الأرجنتين تحويل أي مقدار أكبر من 200 دولار شهريًّا من البيزو الأرجنتيني إلى الدولار الأمريكي.
  • القيود نفسها مطبقة في زيمبابوي. إذا أردت فتح مشروع واحتجت إلى استيراد بعض البضائع، لا بد أن تطلب ترخيصًا من البنك الاحتياطي لإرسال الدولار إلى الخارج. «افترض أنني أعمل في الطاقة الشمسية وأنني أردت شراء 20 لوحًا لأبيعها بعد ذلك. ليس أمامي إلا 30 يومًا لأتم هذه الصفقة. يستطيع البنك الاحتياطي أن يستغرق ما يشاء من الوقت حتى يعطيني الترخيص. هذا هو سبب آخر يجعل الدولارات الورقية المادية، النقد المادي، ذا قيمة أعلى بكثير في زيمبابوي». هذا كلام شريكٍ لي في مقابلة في مارس 2020.

غياب النظام المصرفي أو فساده

  • يُسمَح للأعمال المحلية في زيمبابوي استعمال الدولار الأمريكي للدفع لتجار الجملة المحليين. لا بد أن يسيّل تاجر الجملة هذه الدولارات خلال 30 يومًا، وإلا تحولت الدولارات إلى حسابه بدولار زيمبابوي بمعدل صيرفة البنك. معدل التضخم في دولار زيمبابوي عالٍ جدًّا.
  • إذا اشتريت قطعًا أجنبيًّا من مصرف أرجنتيني، ستشتريه بمعدل صيرفة البنك (الذي في صالح البنك، لا في صالح المستهلك)، وسيُضاف إلى ذلك ضريبة 65%.
  • استعمال النظام المصرفي مليء بالخطوط الحمراء في الدول الغربية أيضًا، لكن الأمر أسوأ جدًّا في هذه الدول.

الحوالات الخارجية

  • في الأرجنتين، إذا استلمت المال من الخارج عبر نظام النقد التقليدي، سيحوَّل إلى العملة المحلية حسب سعر الصرف الرسمي. وهو ما يعني سرقة 30% من القيمة.
  • في 2020، أُرسل أكثر من مليار دولار من الخارج إلى زيمبابوي. يعتمد أكثر من ثلث الشعب على الحوالات الخارجية من الأقرباء في الخارج. يعيش كثير من أهل زيمبابوي في جنوب إفريقيا، ويرسلون المال إلى زيمبابوي، ليخسروا 20–30% منه في رسوم المصارف وأسعار الصرف الرسمي.[40]

العوائق أمام النساء إن استعمال الحساب المصرفي الأساسي بعيد عن متناول نحو مليار امرأة حول العالم. تختلف درجات التفاوت الجنسي الذي يفرضه القانون ليمنع المشاركة المالية الكاملة للنساء في كثير من الدول حول العالم. بناءً على الدولة، قد يُميَّز ضد النساء في قوانين الميراث وقد يُجبرن على الحصول على إذن من الزوج للعمل، ولفتح حساب مصرفي، ولتسجيل مشروع تجاري أو توقيع عقد. يُمنَع كثير من النساء من العمل في بعض المهن. قد يصعب على النساء أيضًا الوصول إلى بطاقات الهوية الشخصية بسبب القوانين القائمة أو متطلبات التسجيل المقيّدة. هذه البطاقة الشخصية ضرورية لاستعمال المنتجات والخدمات المالية.

من العوائق الأخرى التي تمنع النساء من الوصول إلى الخدمات المالية: الحاجة إلى السفر مسافات طويلة، والخوف من السرقة أثناء استعمال النقد، وفقدان الخصوصية التي كانت لتحمي مدخراتهن من الآخرين.

قالت الدكتورة شارمان ستون، سفيرة أستراليا للنساء: «إن أكثر من 80% من الأعمال الصغيرة في المحيط الهادي تديرها نساء في متاجر صغيرة». «عندما لم يكن أمامهن خيار سوى النقد المادي، كان من الخطر جدًّا عليهن أخذ المال إلى البيت، والحفاظ عليه بعد توصيله إلى البيت».[41] باستعمال البيتكوين والعملات التعموية، أصبحت هذه النساء أكثر أمنًا، وأكثر قدرة على الالتفاف على التضخم وعلى حيازة أموالهن.

النساء هن أغلبية سكان كينيا: تقوم النساء بسبعين بالمئة من العمل الزراعي، لكنهن يملكن أقل من 1% من الأرض ولا سلطة لهن إلا على نسبة قليلة جدًّا من الدخل الوارد لهنّ من عملهن.[42]

تشكل النساء 56% من الذين لا حساب لهم في أي بنك عالميًّا. نسبة النساء غير المتعاملات مع المصارف أكبر من نسبة الرجال غير المتعاملين معها في معظم الاقتصادات. يصدق هذا حتى في الدول التي نجحت في زيادة نسبة أصحاب الحسابات المصرفية، التي لا يشكل فيها غير المتعاملين مع المصارف إلا نسبة قليلة من الراشدين.[43] في الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثُلُثا غير المتعاملين مع البنوك من النساء.[44]

وجدت دراسة في كينيا أن الوصول إلى خدمات النقد على أجهزة الجوال جرّت منافع كبيرة خصوصًا للنساء. مكّنت هذه الخدمات البيوت التي تقودها النساء من زيادة مدخراتها بأكثر من الخُمُس، وأتاحت لـ185,000 امرأة ترك الزراعة وبناء عمل أو نشاط تجاري، وساعدت على تقليص الفقر الحاد في البيوت التي تقودها نساء بنسبة 22 بالمئة.

زادت خدمات النقد على الجوال مثل إم–بيسا في كينيا أو إيكوكاش في زيمبابوي من إتاحة الوصول إلى الأدوات المالية. المشكلة: هذه الخدمات كلها مركزية، كلها شركات خاصة. تستطيع الحكومة أن تتدخل، وأن تراقب المعاملات وتغلق الحسابات. على سبيل المثال، في يوليو 2020 حظرت حكومة زيمبابوي الدفع من نقد الجوال إيكوكاش إلى حسابات البنوك، كما حظرت تحويل نقد إيكوكاش إلى نقد مادي.

تساعد الخدمات المالية أيضًا الناس على جمع المدخرات وزيادة الإنفاق على الحاجات. بعد توفير حسابات توفير لباعة الأسواق في كينيا –ومعظمهم من النساء– زاد الادخار فيما بينهم، واستثمروا 60 بالمئة أكثر في أعمالهم. أنفقت البيوت التي تديرها نساء في النيبال 15 بالمئة أكثر على الأطعمة المغذية، و20 بالمئة أكثر على التعليم، بعد أن أتيح للنساء فتح حساب توفير مجاني. أضف إلى ذلك أن المزارعين في ملاوي، أصحاب الودائع في حسابات التوفير، أنفقوا 13 بالمئة أكثر على أدوات الزراعة، فزادت قيمة محاصيلهم بنسبة 15 بالمئة.[45]

يستطيع البيتكوين خفض تكلفة تسلّم المدفوعات، وهو ما يترك الناس مع مال أكثر. في حين تتطلب الأدوات المالية التقليدية بطاقة هوية وإثبات عنوان، البيتكوين مفتوح للجميع. لذلك، يمكن أن يدعم البيتكوين النساء ليحصلن على مزيد من الحرية والسيادة الذاتية.

لمزيد من المعلومات عن أحوال المعيشة في زيمبابوي واستعمال البيتكوين في فنزويلا والأرجنتين وأفغانستان ونيجيريا وغيرها، استمع لمقابلاتيopen in new window. أما بشأن استفادة النساء من استخدام البيتكوين، فانظر في فصل «النساء في البيتكوين».

بطيء، لكن آمن

من الانتقادات الموجهة للبيتكوين أن تطويره بطيء وثقيل. في الحقيقة، يدل الواقع على أن البيتكوين هو أطول سلاسل الكتل بقاءً وأفضلها أمنًا. لم يخترق البيتكوين ولم يُغيَّر قط. سبب هذا هو مجتمع مطوري المصدر المفتوح، المستقلين الذين جعلوا أولى أولوياتهم الإسهام في البيتكوين لأجل المصلحة الاجتماعية. استمع إلى آدم باكopen in new window، أو غلوريا جاوopen in new window، أو تم أكينبوopen in new window، أو أميتي أوتاوارopen in new window، أو مات كورالوopen in new window لتعرف مقدار اندفاعهم واهتمامهم بهذه المهمة. ثم إن وتيرة التطوير بطيئة عن عمد. إن شعار وادي السليكون «تحرك بسرعة وخرّب الأشياء» هو نقيض ما نريده لإدارة أصل يساوي 600 مليار دولار، وهو في الوقت نفسه برنامج نشط.

إنترنت الأشياء

يمكن للآلات أن تستعمل نقد الإنترنت الأصيل أيضًا. ستستطيع السيارات ذاتية القيادة أن تشحن نفسها بنفسها في محطات الشحن، إذا دفعت بالبيتكوين. هذا ليس خيالًا علميًّا، بل هو المستقبل القريب. أندي سكرودر من كنتاكي يثبّت في سيارته نظام مدفوعات صغيرة آنية من الآلة إلى الآلة عبر شبكة البرقopen in new window. لن يكون هذا هو الابتكار الوحيد الآتي من تقاطع التقنية والنقد والاتصالات.

البيتكوين، قارب النجاة

كما بيّنت في الفصل 1، ليس السؤال هل سيسقط النظام المالي الحالي، بل السؤال متى. حتى قبل أن تنتشر جائحة كوفيد 19 عالميًّا في ربيع 2020، كانت الدول مثقلة بالديون، كانت آثار هذه الديون ظاهرة في تفاوت الثروات عالميًّا ومحليًّا. على مر أعوام كثيرة حذر الخبراء الناس من الأمر. سمّى سيمون ديكسون عام 2011 هذه الأزمة الكساد الكبير لعشرينات القرن الواحد والعشرين. شرحت نومي برنز تآمر المصارف المركزية في كتابها الصادر عام 2018. أشار ساتوشي ناكاموتو إلى مخاطر بناء النظام النقدي على الدين، وإلى الأزمة المالية في ورقته البيضاء.

البيتكوين نقد خالٍ من الدين. لا يستطيع أحد ببساطة تضخيم العرض. البيتكوين هو البديل الأمثل الذي يتيح الخروج من نظام النقد الحكومي. من أجل الاحتياط من هذه الأزمة المحدقة، قد يرى المرء أن يوزّع استثماراته في أصول مختلفة ليقلّص الخطر الناشئ من النظام. الذهب والحصص والسندات والعقارات والساعات والسيارات كلها أصول معروفة لحماية القيمة. البيتكوين أصل رقمي لحماية القيمة أيضًا.

عندما بدأ رجال الأعمال الذين يديرون شركات مساهمة عامة –مثل إيلون ماسك ومايكل سايلور– شراء البيتكوين بالدولار، حجزوا لأنفسهم مكانًا في قارب نجاة البيتكوين. البيتكوين مصنوع للأفراد. للناس أمثالي وأمثالك. الآن فرصتك للخروج من قارب النقد الحكومي الغريق. لم يفت الأوان بعد، ما زلت باكرًا.

البيتكوين مرفق عام

شبكة البيتكوين بنية تحتية عامة، هي شبكة اتصالات لامركزية لم تزل تُبنى أمام أعيننا. نحن الأفراد لم يكن في مقدورنا أن نشارك ماليًّا في الإنترنت منذ نشأ. معظمنا لم يملك أي حصة في آبل أو غوغل أو فيسبوك. عوائق كثيرة تمنع مليارات الناس من الاستثمار في الشركات. البيتكوين متاح للجميع، يستطيع الجميع الاستثمار في بنيته التحتية. يمكنك أن تستعمل البيوت لتتخيل كيف أن البيتكوين ملكية رقمية، لن يكون في العالم إلا 21 مليون بيتًا، على أنك تستطيع شراء جزء من بيت، حتى ولو كان مقبض يد باب.

البيتكوين يشجع على الادخار

البيتكوين مثالي للاستثمار على المدى الطويل. إذا كنت تعتقد أن قيمته ستعلوو في المستقبل، فهذا حافز لك للإمساك بما تملكه منه ولعدم صرفه إلا على الضروري.

شراء البيتكوين في طاقتك

ليس عليك أن تشتري سك بيتكوين كاملًا. يمكن تقسيم كل سك بيتكوين إلى مئة مليون وحدة. هذه الوحدة تسمى الساتوشي–تيمنًا بالمؤسس المجهول، ساتوشي ناكاموتو. يمكنك أن تشتري أجزاءً من البيتكوين وإن بلغت بصغرها 20 يورو مثلًا.

البيتكوين ووظائف النقد

تصر مراجع كثيرة على أن البيتكوين ليس نقدًا لأنه لا يؤدي معايير النقد الوظيفية. عرّف ويليام ستانلي جيفونز هذه الوظائف عام 1875[46]، وشاع تحليله جدًّا في كتب الاقتصاد الأكبر منذئذ.

حسب رأي جيفونز، لا يكون البيتكوين نقدًا إلا إذا أدّى هذه الوظائف الثلاث:[47]

  1. تخزين القيمة – لا بد أن يحافظ الأصل على استقراره مع الوقت
  2. الوساطة في المعاملات – لا بد أن يكون الأصل واسع القبول في متاجرات السلع والخدمات
  3. القياس في المحاسبة – لا بد أن يكون مستعملًا لقياس الأسعار والتكاليف والأرباح

1. تخزين القيمة: يقول النقّاد إن البيتكوين ليس مخزنًا للقيمة لأنه متقلب ومعرَّض للخسائر على المدى القصير. لقد بيّنت في الفصل 3.1 أن الحال ليس كذلك على المدى الطويل. وأنا أشكك في تعريف «الاستقرار مع الوقت». ما هو الإطار الزمني هنا؟ لقد بلغ التضخم في النقد السنوي في النمسا 20% على مرّ العقد السابق. العملات الحكومية الأخرى كلها لا يمكن الاعتماد عليها لحفظ القيمة، لهذا السبب نفسه.

2. الوساطة في المعاملات: يمكنك أن تستعمل البيتكوين وسيطًا في المعاملات إن شئت. نعم، لم يزل عدد الشركات والخدمات والمطاعم التي تقبل البيتكوين صغيرًا إبّان هذه الكتابة. لكنك تستطيع أن تفعل ذلك باستخدام بعض الخدمات التي تستطيع ملأها بالبيتكوين والصرف منها بالدولار. إضافة إلى ذلك، عندنا شركات كثيرة في الجال تقبل البيتكوين وتدفع أجور عامليها به أيضًا.

3. القياس في المحاسبة: يستعمل النقد الحكومي للقياس في المحاسبة بفضل فرضه كذكل في القانون. ليس أمامنا خيار آخر ببساطة. البيتكوين يعتمد على الاستعمال الطوعي، على الاختيار، إذا كنا نعتقد أن قيمته ستعلو، فلن نصرفه. مع تناقص تقلب البيتكوين مع الوقت، ستصل القيمة يومًا إلى مسطبة مستوية وسيبدأ الناس صرف البيتكوين. وحتى قبل أن يبلغ الأمر هذا، سيتزايد عدد الشركات التي ستقبل البيتكوين، لأنها ستثق أن قيمته لن تنقص بل ستزداد.

لا بد لهذا النوع الجديد من النقد، الذي لم يفرَض علينا، بل كان اختياريًّا، أن يمر بهذه المراحل بالترتيب: أولًا، يجب أن يصبح مخزن قيمة، ثم تزداد الثقة به، ثم يستخدمه الناس في المعاملات. بعد ذلك يمكن أن يستعمل وحدة قياس ومحاسبة.

إن رفض البيتكوين لمجرد أنه لم يحقق هذه الوظائف بعد غفلة عن الفكرة كلها.

مقارنة خصائص النقد

في عام 2014 استفاد ريان ووكر من مفاهيم نظرية الاصطفاء الطبيعي الداروينية واستعملها لمقارنة تطور أنواع النقد المختلفة. يظهر الجدول أدناه درجة تحقيق كلٍّ من الذهب والنقد الحكومي والبيتكوين لخصائص النقد المعروفة (الصف 1 – 8). المقاييس الحكومية لدرجة المركزية وتحكم السلطات (الصف 9).

«لقد مكّنت نشأة العملات القائمة على علم التعمية بعض النزعات الجديدة التي لم تكن ممكنة في الأنواع التقليدية من النقد. يُضاف إلى ذلك أن تحقق بعض هذه النزعات سيكون –على الأغلب– ذا أثر كبير على البيئة التي تتنافس فيها هذه العملات. يظهر الصفّان 10 و11 نوع العملة التعموية ومقارنته بخصائص النقد التقليدية والحديثة». – ريان ووكر

الشكل [48] خصائص النقد. تظهر هنا درجة تحقيق كل من الذهب والنقد الحكومي والعملات التعموية لخصائص النقد المعروفة تقليديًّا، ولخصائص النقد الجديدة التي أتاحها اكتشاف البيتكوين.

كما ترى، البيتكوين يبلغ أماكن لم يبلغها الإطار التقليدي بشأن ماهية النقد. إنه يتطور ليعرّفنا على مجال جديد كلّيًّا من قدرات النقد ومن التطبيقات التي يجب أن يُبنى عليها في المستقبل.

ملاحظات استراتيجية

تحذير

قبل أن تبدأ شراء البيتكوين، اقرأ هذه الملاحظات رجاءً:

هذا الكتاب عن سلسلة الكتل الأولى، التي أنشأها ساتوشي ناكاموتو في 2009، التي تُتداول برمز BTC أو XBT في منصات التداول. لمزيد من المعلومات عن البيتكوين راجع https://bitcoin.org. أما في Bitcoin.com، ستجد موقع بيتكوين–كاش، التي فارقت البيتكوين منذ 2017.

حذارِ فإن المنشقّات عن البيتكوين كثيرات. منها البيتكوين–كاش (BCH)، وبيتكوين رؤية ساتوشي (BSV)، والبيتكوين–غولد (BTG)، والبيتكوين دياموند (BCD)، والبيتكوين 2 (BTC2). هذه ليست سكوك بيتكوين «أرخص»، بل هي أصول مستقلة مختلفة. تستعمل هذه الأصول اسم البيتكوين لتستفيد من شهرته، لكنها لا تملك نقاط القوة أو الشهرة نفسها التي يملكها البيتكوين.

البيتكوين مرفق عام، ليس مرتبطًا بحقوق ملكية فكرية. إذا أردت اليوم فتح شركة وسميتها «آبل بريميوم»، سريعًا ما ستتلقى مذكرة من المحكمة بسبب اعتدائك على العلامة التجارية آبل. لا يصدق هذا على البيتكوين لأنه مفتوح المصدر، ولأنه يشجع على الابتكار والاحتواء. إذا سُمّيت إحدى المنشقّات عن البيتكوين شيئًا مثل بيتكوين–كاش، فهو مصدر لبس يجب اجتنابه.

استعمال البيتكوين لا يخالف القانون في معظم دول العالم، لكن الحظر الحكومي قد يأتي في أي لحظة، وقد يمنع نظريًّا الأفراد من استعمال البيتكوين. مهما يكن الأمر، يمكن أن يؤدي حظر من هذا النوع إلى تراجع قيمة البيتكوين وصعوبة إرجاعه إلى العملات الحكومية. لكن مجتمع البيتكوين ملتزم جدًّا بقضيته، لذلك حتى لو حظرت دولتك البيتكوين، ستجد دائمًا من يشتريه منك بالنقد الحكومي سعيدًا.

سعر البيتكوين يحدده العرض والطلب. يمكن في أي لحظة –وقد حدث الأمر عدة مرات– أن يهبط السعر هبوطًا حادًّا في وقت قصير، ولن تستطيع عندئذ السحب أو بيع البيتكوين بالسرعة التي تحبها.

لا تضع في البيتكوين من المال إلا ما أنت على استعداد لخسارته دون الوقوع في مآزق مالية. أنت المسؤول عن حيازة رأس مالك. في حال الخسارة أو السرقة، لن تجد طريقة استرجاع.

إلى جانب البيتكوين، ستجد اليوم أكثر من 4,000 أصل تعموي، كلها لها أهدافها واستعمالاتها المختلفة. اقرأ عن فريق كل عملة، ونيّاته، والتقنية المستخدمة قبل أن تستثمر، إذا أردت الاستثمار.

قد يؤثر بروز هذه الأصول الأخرى في سعر البيتكوين. قد تصبح عملة أخرى هي العملة الرقمية الرائدة، لكن معظم القبول والنمو اليوم من نصيب البيتكوين.

لا تغرّك الترويجات التي تعدك بأن «تغتني بسرعة» وبأن تشتري العملات وتديرها نيابةً عنك. لسوء الحظ، يلعب كثير من الناس ألعابًا قذرة ويقيمون عروضًا تسويقية متعددة المستويات، أو مخططات بونزيopen in new window.

حذارِ من الذين يطلبون منك أن «تنضم» إلى البيتكوين، أو يكتبون كلمة البيتكوين بطريقة غريبة. لا حاجة إلى الانضمام إلى أي شيء من أجل استخدام البيتكوين. لا حاجة إلى دفع مبلغ دخول أو أي شيء من هذا القبيل – هذا الكلام احتيال غالبًا.

إذا كنت تنتظر لشراء سهم في صندوق مؤشرات متداولة للبيتكوين، فاعلم أنك لن تملك ولن تستخدم البيتكوين هكذا. ستكون معرَّضًا لتغيرات سعره فقط. لن تملك ما تملكه من البيتكوين ولن تسيطر عليه إلا إذا كنت أنت القائم بنفسك على إدارة مفاتيحك الخاصة. ستجد مزيدًا عن كيفية هذا في الصفحات التالية.

الخصوصية في العصر الرقمي

البيتكوين مزيَّف الأسماء والهويات. معنى هذا أن محفظتك وعناوين استلامك غير مرتبطة بهويتك إذ لا يخزَّن اسمك ولا مكان إقامتك ولا عنوانك على الإنترنت.

يُستثنى من هذا الأصل إنشاء حساب في منصة تداول مركزية تتاجر فيها بين العملات الحكومية والبيتكوين. في هذه الحالة، كما في حالة المصارف التقليدية، يُطلب التسجيل في المنصة وإثبات الهوية. في بعض الحالات، قد تجبر مكاتب الضرائب ووكالات الحكومة المنصة على نشر معلومات هويتك وعناوين البيتكوين المرتبطة بها.

إذا نشرت عنوانًا من عناوين استلامك على الإنترنت أو أعلنت عنه في أي مكان آخر، سيستطيع الذين يعرفونه معرفة مقدار ما تملكه فيه باستعمال مستعرض كُتَل. احذر من هذا، ولا تستعمل عنوان الاستلام نفسه أكثر من مرة. سأقدّم لك لاحقًا محافظ تنشئ تلقائيًّا عنوانًا مختلفًا كل مرة لئلا تقلق بشأن هذا.

لكن البيتكوين ليس خاليًا من الهوية كما يُفترَض. يمكن تحليل كل تدفقات النقد إذا بُذل جهد كافٍ في الأمر. تتخصص بعض الشركات مثل Chainalysis في هذه التقديرات، ويشتري خدماتها عملاء مثل المصارف. العمل جارٍ على تحسين الخصوصية في البيتكوين. على مر العامين التاليين، ستنشأ ابتكارات لا تعرقل استخدام البيتكوين لكنها تقدم مزيدًا من أمن البيانات.

عملة مونيرو، التي نشأت عام 2014، تحتوي على حماية خصوصية أصيلة فيها. في هذه الشبكة لا تُنشَر العناوين ولا يمكن تحليل سلسلة الكتل.

كيف أحصل على البيتكوين؟

يمكنك الحصول على البيتكوين بطرائق ثلاث:

  • شرائه بالعملات الحكومية
  • اكتسابه
  • تعدينه

أول خيار هو الخيار الذي يختاره معظمنا. يمكنك أن تستعمل منصة تداول على الإنترنت أو صرّاف بيتكوين لتبيع نقدك الحكومي وتشتري البيتكوين.

الاكتساب هو الخيار الأفضل. يمكنك أن تُخلي قبوك وتبيع سلعًا بالبيتكوين، أو أن تعمل مستقلًّا على الإنترنت وتقبض بالبيتكوين، إلخ.

التعدين خيار ليس متاحًا لمعظم الأسَر اليوم. في أيام البيتكوين الأولى، كان التعدين ممكنًا من أي حاسوب. أما اليوم، فقد أصبح العتاد المتخصص –معدنات الدارات المتكاملة المخصصة– مطلوبًا، وأصبحت في حاجة إلى مصدر طاقة رخيص جدًّا حتى تحافظ على أرباحك.

في الفصول القادمة، سنمرّ على المتطلبات اللازمة لامتلاك البيتكوين واستخدامه.

سُلَّم السيادة المالية

«ليست مفاتيحك؛ ليست سكوكك». – أندرياس أنتونوبولس

كما قرأت في الفصول السابقة، أهم نقطة قوة في البيتكوين هي مناعته على الرقابة، التي تمنحك سيادة مالية. هذا إلى جانب معروض النقد الثابت على 21 مليون سكًّا، الذي يفرّق البيتكوين عن كل أنواع النقد الأخرى. يحميك البيتكوين من تحميل الدائنين عبء الإنقاذ، كما حدث في قبرص عام 2014، ومن التضخم الذي يحطّ من قيمة أموالك. ينهي البيتكوين إجبارك على إقحام أموالك في أسواق المال من خلال المصارف والمنتجات المالية. يعطيك البيتكوين السلطة المطلقة على أموالك، ويتيح لك أن تنتقل حيث شئت في العالم وأن تجلب أموالك معك. إنه بديل، بديل يتيح لك الخروج من نظام النقد الحكومي – كل ما تحتاج إليه هو 12 كلمة إنكليزية: بذرة محفظتك.

«البيتكوين منيع على الرقابة والتضخم. هذه أهم صفاته». – أنيتا بوش

إذا لم تكن البذرة معك، فلن تستفيد من أي مزيّة أو حريّة مذكورة أعلاه.

خطر المحافظ الائتمانية

من المهم هنا أن نلاحظ الفرق الكبير بين المحافظ الائتمانية والمحافظ غير الائتمانية. ليس لك أن تسيطر على بذرة محفظتك إلا عندما تستعمل محفظة غير ائتمانية (ذاتيّة التخزين). لا تمنحك منصات التداول مثل كوينيس أو كراكن أو باينانس أو غيرها مفاتيح محفظتك الخاصة. نعم، قد يكون الاحتفاظ بالمال في منصة مركزية أسهَل، لكن الأمر لا يختلف عن استعمال بنك. لست أنت مالك المال الذي في حسابك في المنصة، وهو أمر قد يصبح مشكلة إذا اختُرقت المنصة، وقد حدث هذا مرارًا كثيرة. على سبيل المثال، دعني أذكرك باختراق إم تي غوكس، أكبر اختراق إلى اليوم، الذي حدث عام 2014. لا يمر يوم واحد لا نسمع فيه قصصًا عن حسابات جُمّدت أو وضعت عليها إشارة لاستعمالها سكوكًا ملوثة، وأحيانًا تقف المتاجرة لأسباب تشريعية. هذا وإن المنصات تضطرّك إلى التسجيل وتحقيق متطلبات «اعرف عميلك»، وهو أمر يعيق ملايين الناس ويقصيهم من المصارف ومن استعمال منصات العملات التعموية أيضًا. فوق كل هذا، تعتدي تشريعات «اعرف عميلك» على خصوصيتك. لحسن الحظ، البيتكوين للجميع. لتخفيف مخاطر التخلف في المحافظ الائتمانية، عليك أن تتخطى هذه المنصات من البداية وتستعمل محفظة غير ائتمانية من الأول.

«إن الوهم القائل إن المال في المصرف آمَن من المال تحت السجّادة هو في حد ذاته موقف لأصحاب المزيّة». – أندرياس أنتونوبولس

ليس عند الذين يعيشون خارج «العالم الغربي المتقدم» شيء اسمه حساب مصرفي آمن. هذه مزية. قد تظن أن الأفضل لك أن تترك أموالك على المنصة لأنك لا تريد تحمل مسؤولية الإمساك بمالك. الأمر راجع إليك، لكن هذا لم يكن مقصد ساتوشي ناكاموتو، وهو يجعلك معرضًا للخطر.

عندما تتعلم وتطبق أولى خطواتك نحو الحرية المالية، سترى أن الأمر ليس بالصعوبة التي يظهر بها بادئ الرأي.

3 خطوات نحو السيادة المالية

«مع الحرية الكبيرة، تأتي مسؤولية كبيرة». – د. ستيفاني مورفي

تصوّر ستيفاني مورفي، المضيّفة في بودكاست «الحديث عن البيتكوين» ("Speaking of Bitcoin") مسألة السيادة المالية بصورة سلّم له مستويات مختلفة من السيادة. لمّا كان البيتكوين تقنية لم تزل في طور النمو، كانت درجة الحرية القصوى التي يستطيع المرء بلوغها بها متغيرةً مع مرور الوقت. سيعطيك هذا الكتاب دليلًا إلى الدرجة 2: مستوى «مفاتيحك؛ إذن سكوكك». أما الوصول إلى مستوى «لا تثق، تحقق»، فسيصبح أسهل بكثير في السنين القادمة. لكن اليوم يتطلب الأمر بعض المعارف التقنية وجهودًا ووقتًا وموارد، لكنه من حيث المبدأ متاح للجميع.

الشكل[49] 3 خطوات نحو السيادة المالية

الطابق الأرضي: لم تزل متعلمًا، لكنك تقرأ هذا الكتاب فأنت مهتم إذن بالبيتكوين، لكنك لا تملك شيئًا منه.

الطابق الأول: تتعرّف الآن البيتكوين من خلال حل ائتماني في منصة مركزية، لكنك لا تملك أي مفتاح خاص. لقد حققت درجةً من الاستقلال لأنك استثمرت في عملة تعموية ولم تعد معتمدًا اعتمادًا كاملًا على النقد الحكومي. لكن هذه الدرجة ليست كبيرة لأنك تعتمد على طرف ثالث، يُخشى منه خطر التخلف المذكور أعلاه. أنت الآن في مرحلة «ليست مفاتيحك؛ إذن ليست سكوكك».

الأمثَل أن تتخطى الطابق الأول إلى الطابق الثاني بأسرع وقت ممكن.

الطابق الثاني: هنا تمسك بزمام الأمور وتخزن مفاتيحك بنفسك في مكان آمن ومحفظة غير ائتمانية تظهر لك بذرتك. هذه درجة أعلى بكثير من السيادة المالية. يمكنك أن تفعل هذا بمحفظة على جوّالك للمقادير الصغيرة أو باستخدام محفظة عتادية للمقادير الأكبر، وهي الطريقة الأفضل. هنا تبلغ مرحلة «مفاتيحك؛ إذن سكوكك». لقد حققت الآن مرحلة عالية جدًّا من الاستقلال.

الخطوات التالية للمستخدمين ذوي الخبرة. تعطيك هذه الخطوات مزيدًا من الاستقلال والخصوصية والتحكم بسكوكك.

الطابق الثالث: هنا تصبح السيّد المطلق على أموالك بوصل محفظتك العتادية بعقدتك الكاملة. بهذه الطريقة، يمكنك أن ترى وتتسلم المعلومات بشأن جميع المعاملات، ويمكنك أيضًا التحقق من الكتل المعدّنة دون الاعتماد على الأطراف الثالثة. لا حاجة بعد الآن إلى الثقة بأحد، لأنك قد حققت مستوًى عاليًا من الخصوصية والتحكم. «أنت الآن المصرف»، لقد وصلت إلى مرحلة «لا تثق، بل تحقق».

يمكنك أن تزيد مستوى الأمن والاستقلال أكثر باستعمال الحلول غير المتصلة بالإنترنت، والمحافظ متعددة التواقيع، وغير ذلك.

في قمة هذا السلّم، تنشأ اليوم حلول مالية مثل استدانة وإقراض البيتكوين.

في النهاية، إذا كان هدفك الوحيد هو التحوّط من التضخم واستعمال البيتكوين مخزنًا للقيمة، فإن الوصول إلى الطابق الثاني، «مفاتيحك؛ إذن سكوكك»، هو الهدف. سأبيّن لك في الفصول التالية كيف تبلغ هذه المرحلة من السيادة.

حماية أموالك

كما ذكرنا في الفصل السابق، هدفنا هو بلوغ مرحلة «مفاتيحك، إذن سكوكك».

لشراء البيتكوين واستعماله وتخزينه، ستحتاج إلى ما يلي:

  • محفظة بيتكوين = هي صندوق إيداعك النقدي الرقمي. والتشبيه الأدق هو أنها سلسلة مفاتيح لصناديقك.
  • عناوين بيتكوين = عنوان أو عدة عناوين لاستلام أموالك على سلسلة الكتل.
  • بذرة = بيانات استرجاع محفظتك.

محفظة بيتكوين

المحفظة أشبَه بصندوق عامٍّ مقفَل ذي أقسام متعددة. يستطيع الجميع وضع مال في أي قسم من الأقسام، لكن المالك وحده –صاحب المفتاح الخاص– هو القادر على فتح القسم ونقل المال الذي فيه. تتألف محفظتك من كل الأقسام وتمسك بجميع مفاتيحها الخاصة لفتحها. تولَّد المفاتيح الخاصة والعناوين العامة المرتبطة بها من البذرة. البذرة هي أصل كل المفاتيح والعنواين. هي أشبه بجيب وُضعت فيه كل مفاتيحك الخاصة.

الشكل[50] تعريف المصطلحات

المحفظة هي تطبيق على جوالك أو برنامج على حاسوبك، يتولى أمر كل شيء في الخلفية – مفاتيحك الخاصة، وعناوينك، وإرسالاتك واستقبالاتك.

محافظ البيتكوين تحتوي على مفاتيح، لا على سكوك. كل مستخدم له محفظة تحتوي مفاتيح. المحافظ في حقيقتها ليست إلا سلاسل مفاتيح تحتوي أشفاعًا من المفاتيح العامة والخاصة. أموالك مسجلة في سلسلة الكتل.

عنوان بيتكوين

لاستلام البيتكوين، لا بد لك من عنوان بيتكوين ليرسل لك أحد إليه. يتألف عنوان البيتكوين من سلسلة طويلة من الأرقام والحروف.

مثال على عنوان بيتكوين:

346n4apJCQPg2XAXU3bfNQTogz4PyTkrEf

كتابة 34 رقمًا أمر غير عملي، لذلك يشيع استعمال أكواد الاستجابة السريعة QR، ويشيع أن تولدها المحافظ تلقائيًّا.

عنوان بيتكوين في كود استجابة سريعة

الهويات في البيتكوين مزيفة، أي لا يجب عليك ربط عنوان بريدك الإلكتروني أو هويتك بالمحفظة. لكن سلسلة الكتل في البيتكوين شفافة، أي إن عناوينك متاحة للعموم على الإنترنت. على سبيل المثال، يمكنك أن تبحث عنها في Blockcypher لترى كل معاملاتك وقيمها. في هذا الرابط مثال: https://anita.link/explorer.

لذا، من أجل الخصوصية، لا تشارك عناوينك ولا تربطها بهويتك على الإنترنت. الخصوصية هي السبب الذي يدفعك أيضًا إلى عدم إعادة استخدام عناوين البيتكوين. معظم محافظ البيتكوين تعطيك عناوين جديدة لكل معاملة.

فلننتقل الآن إلى أهم جزء في حماية البيتكوين: البذرة.

البذرة والمفاتيح الخاصة

لمّا كانت البذرة جذر كل المفاتيح الخاصة، كان واجبًا منع وصول أي أحد سوى مالكها إليها. كل من يعرف البذرة له تحكم كامل بالنقد المودع لها.

البذرة (التي تسمى أحيانًا عبارة الاحتياط أو عبارة الذاكرة)، هي سلسلة من 12 أو 24 كلمة تمنحك وصولًا إلى المفاتيح الخاصة المرتبطة بعناوين محفظتك، ومن ثم وصولًا إلى سكوكك. هذا يعني أن الكلمات وترتيبها يجب أن تبقى سرًّا. كل من يعرف البذرة يستطيع أخذ سكوكك. لماذا؟

سكوكك ليست داخل محفظتك الرقمية كما أن نقودك داخل محفظتك المادية. بل سكوكك مسجلة في سلسلة الكتل. الفرق كالفرق بين البريد الإلكتروني والبريد الورقي. يمكنك أن تصل إلى حساب بريدك الإلكتروني من أي مكان في العالم لأن رسائلك البريدية مسجلة في الإنترنت، أما صندوق بريدك فله موقع واحد. ينطبق الأمر نفسه تقريبًا على البيتكوين.

الوصول العالمي إلى أصولك متاح دائمًا بوجود البذرة، بصرف النظر عن مصنّع المحفظة. عندما تختار محفظتك، ابحث عن مصطلح «HD Wallet» (محفظة هرمية حتمية). هذه المحافظ تتيح لك النقل إلى أي محفظة أخرى من نفس النوع، خذ بذرتك واستعد سكوكك.

افترض أن جوّالك عطل، وأنك لم تعد قادرًا على الوصول إلى تطبيق محفظتك، وأنك الآن تحتاج إلى الانتقال إلى جوال جديد. تنزّل على الجال الجديد نسخة جديدة من المحفظة وتستورد البذرة من بذرتك الأولى، فتستعيد الوصول إلى أموالك.

يولّد تطبيق المحفظة البذرة عند أول فتح له. معظم المحافظ تقودك خلال الإنشاء وتعلّمك كتابة كلمات البذرة على ورقة. إذا لم تقدم لك محفظتك البذرة مباشرة، ابحث عن «النسخ الاحتياطي» واتبع الخطوات. إنشاء البذرة هو النقيض من إنشاء كلمة السر التي تعرفها في المواقع الإلكترونية. لست أنت الذي تحدد كلمة السر، بل المحفظة.

ترتيب الكلمات مهم! عليك أن تكتب الكلمات بالترتيب نفسه الذي تظهر به.

مثال عن بذرة: cruise item paper slim vocal power like video snap museum mirror sun

اكتب البذرة بيدك على ورقة وخبئها في مكان آمن. لا تأخذ لقطة شاشة ولا تخزن النسخة الاحتياطية على هاتفك أو حاسوبك المتصل بالإنترنت. كل هذه الأماكن يمكن اختراقها. ستجد مزيدًا من المعلومات الأمنية في الفصل 5.

لأن أموالك ليست في داخل محفظتك، بل مسجلة على سلسلة الكتل، يمكنك أن تنتقل إلى أي مكان في العالم وتأخذ الأموال معك أينما ذهبت. عليك فقط أن تتذكر الكلمات بالترتيب الصحيح. بعد إجراءات العبور دون جوال، ثبت محفظة جديدة واستورد البذرة. سحر.

أنواع المحافظ

تختلف أنواع المحافظ باختلاف الجهاز ومتطلبات الأمن والعملات المدعومة. لتحديد أفضل المحافظ لك سأقدم لك بعض الأفكار والمعايير لتكون دليلًا لك. في النهاية، عليك أنت أن تختار أفضل المحافظ لك. البيتكوين تقنية حديثة، لذلك فبرامج المحافظ تتغير كثيرًا. عليك أن تعرف أنك قد تحتاج إلى التحديثات أو إلى تغيير المحفظة كلها عند إدخال وظائف جديدة، السوق فيه دائمًا محافظ جديدة. ليس هذا داعيًا للقلق، لكني أردت أن تكون واعيًا به. في السنوات القليلة الأخيرة، استخدمت كثيرًا من المحافظ للاختبار أو للقدرة على استعمال وظائف جديدة. لذلك سأنصح هنا ببعض المحافظ التي استعملتها بنفسي ولها سمعة طيبة جدًّا بين خبراء الصناعة.

أمن المحفظة

كلما كان برنامج المحفظة أمنَع على الهجومات الخارجية من الإنترنت، كانت المحفظة أقرب إلى الأمان. لذلك، التصنيف الأساسي هو التخزين الساخن والتخزين البارد. المحافظ الساخنة، كمحافظ الجوال والحاسوب، هي تطبيقات تتصل بالإنترنت، وهي من ثم في خطر من المخترقين والفيروسات، إلى جانب مخاطر التخلف والمخاطر التشريعية. أما المخازن الباردة كالمحافظ العتادية فلا تتصل بالإنترنت أبدًا وهي من ثم آمَن بكثير.

أضف إلى ذلك، أن جوالك الذكي، سواءٌ أكان نظامه أندرويد أم iOS، آمَن من حاسوبك. نظام الويندوز أقل أمنًا من أجهزة آبل إبّان هذه الكتابة. أما أنظمة تشغيل الهواتيف الذكية فالفروق بينها أصغر من حيث الأمان.

إلى جانب هذه الاعتبارات، عليك أن تختار محفظة تدعم عملاتك المفضلة. هذا الدليل مختص بالبيتكوين، لذلك سأقترح محفظة مختصة بالبيتكوين. كلما اتسع طيف العملات التي يستطيع التطبيق معالجها، كان تطويره وصيانته أكثر تعقيدًا من جهة المصنع. كلما زاد التعقيد زاد خطر الأخطاء والثغرات.

منذ إطلاق البيتكوين، لم يزل استعمال محفظة عتادية أفضل طريقة لتخزين المفاتيح الخاصة. المحفظة العتادية هي جهاز صغير يخزن المفاتيح الخاصة بعيدًا عن الإنترنت، مثل فلاشات USB.

المحافظ العتادية تحتاج إلى صيانة وإلى حاسوب أو جوال. إذا لم ترد أن تدخل في أمر تحديثات البرامج، أو لم ترد أن تمتلك جهازًا من هذا النوع، فيمكنك أن تستعمل محفظة Card Wallet بديلًا منها. هذه المحفظة منتج لأقدم تاجر بيتكوين نمساوي، Coinfinity، ولدار النشر النمساوية الوطنية.

معايير الصناعة

في جميع الأحوال، ستحتاج إلى الثقة بمصنعي المحفظة إلى درجة أو أخرى. أفضل حلول التخزين البارد في الصناعة هي المحافظ العتادية.

حسب مقدار البيتكوين الذي ستديره محفظتك، يجب أن تستخدم مزيجًا خاصًّا من محافظ الهواتف الذكية للمقادير الصغيرة التي ستحتاجها على الماشي، والمحافظ العتادية للمقادير الكبيرة كالمدخرات في حساب البنك.

إذا بلغت أموالك مقدارًا تريد معه أن تحميها حماية أكبر، فابحث عن حلول التواقيع المتعددة. لكن كن على حذر: حلول التواقيع المتعددة ليست للمبتدئين! عليك أن تعرف ما الذي تفعله.

بدلًا من هذا، يمكنك أن تستعمل شركة تسمى Casa وحلولها متعددة التواقيع الرائدة في مجالها. يمكنك كذلك أن تستعمل عدة محافظ عتادية لتقسيم أموالك على أكثر من جهاز، وهو ما يقلل خطر الجهاز والعيوب التصنيعية.

نظرة عامة على توصيات المحافظ

التخزين الساخن

محافظ الجوالات: للأندرويد وiOS

إذا أردت استعمال البيتكوين وشبكة البرق في محفظة واحدة:

محافظ الحواسيب: بسبب المخاطر الأمنية المذكورة أعلاه، لا أستعمل أي محفظة على حاسوبي، إلا عندما أستعملها مع محفظة عتادية. لهذا الغرض، أستعمل محفظة Sparrow، أو المحفظة التي تأتي مع المحفظة الباردة.

التخزين البارد

المحافظ العتادية

تدير المحافظ العتادية سكوكك وعناوينك ومفاتيحك الخاصة دون أن «تلمس» الإنترنت. حتى لو كان جهازك مخترقًا أو حاويًا على فيروس، ستبقى أموالك آمنة وستستطيع إرسال المدفوعات واستلامها. ستحتاج إلى تأكيد المعاملات يدويًّا في هذه الأجهزة – هكذا تضمن أن أي متطفل على حاسوبك لن يستطيع أخذ أموالك.

لقد أثبت المصنعون التالي ذكرهم مؤخرًا أنفسهم في سوق المحافظ العتادية في السنين الأخيرة. لم تزل شركة SatoshiLabs في براغ تنتج المحافظ العتادية منذ 2012. تأسست شركة Ledger في باريس عام 2014. لم تزل شركة SHIFT لأمن العملات التعموية في سويسرا في السوق منذ 2015، كذلك شركة Coinkite الكندية لم تزل في ساحة البيتكوين منذ 2012.

محفظة Coldcard مختلفة عن البقية لأنها جهاز يمكن استخدامه دون الاتصال بأي حاسوب مطلقًا. لذلك يسميه بعض الناس التخزين البارد–البارد، لأنه آمَن. أما المبتدئون، فأنصحهم بالأجهزة الثلاثة الأولى.

لا تشتر مطلقًا محفظةً عتادية من غرباء على إيباي أو أمازون، ولا تشترها من أحدٍ اشتراها قبلك. اشتر محفظتك العتادية دائمًا من موقع المصنع أو صفحته على أمازون، أو من تاجر تثق فيه. تأكد أن الجهاز مختوم كما يُذكَر في موقع المصنع. معظم الأجهزة المستحسنَة أعلاه تغلَّف بطريقة يظهر عليها أثر إذا اختُرقت، لتضمن أنك أول من يستخدم الجهاز وأنه لم يُغَيَّر. شركة Ledger تتجنب عمدًا التغليف المضاد للاختراق لأنه قد يُزوَّر. أجهزة هذه الشركة الأصلية تأتي معها شريحة آمنة تمنع الأذى المادي وتتيح للمستخدمين التأكد من سلامة الجهاز برنامجًا وعتادًا حسب أدلة الشركة. ومهما يكن من أمر: لا يرسل أي مصنّع البذرة مع الجهاز!

بالإضافة إلى الجهاز، يقدم البائع برنامجًا كالمحفظة لإدارة النقود. من أجل الخصوصية، يستعمل كثير من المستخدمين محفظة البائع لبدء المحفظة وإنشاء نسخة احتياطية منها (أو كتابة البذرة)، ولتحديث برنامج الجهاز. بعد ذلك، يستعملون محفظة مثل إلكترون لإدارة السكوك.

المحافظ الورقية

على الإنترنت، ستجد من ينصح باستخدام المحافظ الورقية. هذه المحافظ هي عناوين بيتكوين تولدها بنفسك مع مفاتيحها الخاصة والعامة وتطبعها على ورقة. ولأنك تولد هذه العناوين بنفسك، فلا حاجة لك إلى دفع ثمن أي محفظة. لكن توليد هذه المفاتيح والعناوين على نحو آمن ليس سهلًا. إجراءات الأمان التي عليك أن تتخذها كثيرة وصعبة جدًّا. أنصح بعدم استخدام هذه المحافظ.

إذا لم تكن تريد أن تدفع 50 أو 100 دولار ثمن محفظة عتادية لتحمي مقاديرك الكبيرة التي لا تود أن تحملها في هاتفك، فعليك أن تعيد النظر في البيتكوين من حيث هو مخزن للقيمة في المقام الأول.

إذا كانت المحفظة العتادية أغلى من استطاعتك، فاستعمل هاتفك حتى تستطيع شراء واحدة. فإذا جمعت ما يكفي من المال فاشتر واحدةً لنفسك فورًا.

محفظة Card

هذه المحفظة (وهي منتج) هي من حيث المبدأ محفظة ورقية، لكنها مصنوعة على يد خبراء على معايير أمنية عالية. لكنك تحتاج إلى الثقة في المصنعين أنهم لم يسجلوا المفاتيح التي في المحفظة. يمكنك أن تستعمل هذه المحفظة كبديل إذا لم تكن تملك حاسوبًا ولا هاتفًا ذكيَّا ولم تكن تريد الاعتناء بمحفظة عتادية بنفسك. https://cardwallet.com/anita (يحصل القراء على حسم بنسبة 20%).

يفضّل أهل الصناعة من حلول التخزين البارد المحافظ العتادية.

تخزين السكوك بأمان

إجراءات الأمان

كل قاعدة بيانات ممكنةُ الاختراق. ابحث عن بريدك في موقع https://haveibeenpwned.com/ – فإذا لم تجده فذلك من حسن حظك، لأن مليارات الحسابات موجودة هناك. لذلك، من المهم أن تتبع إجراءات الأمان العامة التي تلزم لزومًا أكبر عند استخدام البيتكوين.

إعداد العتاد والبرامج

يمكنك أن تستعمل متصفحات الإنترنت الشائعة مثل فيرفكس أو أوبرا أو بريف أو كروم. يُنصَح باستخدام إضافات المتصفحات التي تحظر أكواد جافاسكربت والكعكات (ملفات تعريف الارتباط). من الإضافات التي يحسُن أن تضيفها إلى متصفحك: Ghostery وNoScript، وScriptSafe. أما إضافة HTTPS everywhere فتفرض الاتصال باتسخدام SSL في جميع المواقع، حتى التي لا تستعمله.

اعلم أن بعض المتاجر الإلكترونية لن تعمل على ما يُرام عند تفعيل هذه الإضافات، لذلك فقد تحتاج إلى تعطيلها يدويًّا عند الحاجة.

يهمّ أن تحافظ على أمان أجهزتك.

التحديثات

هذه النصيحة تصدق على جميع الأجهزة: حدّث كل التحديثات البرمجية المقترحة. في نظام تشغيل حاسوبك وفي هاتفك الذكي. استعمل دائمًا آخر نسخة من المحفظة وآخر نسخة من البرنامج الذي يأتي مع المحافظ العتادية.

عناوين البريد الإلكتروني

لا تستعمل العنوان نفسه لكل شيء. أنشئ بعض العناوين السريعة التي لن تستعملها سوى مرة واحدة. يمكنك كذلك أن تشتري نطاقًا لا تستعمله إلا لإنشاء عناوين البريد الزائفة التي تبعث الرسائل إلى عنوانك الأساسي.

كلمات السر الآمنة

استعمل كلمات سر آمنة في كل الخدمات التي تستعمل الإنترنت. تاريخ ميلادك ومكان إقامتك واسم قطتك وتعداد الأرقام إلى 7، كل هذه ليست كلمات سر آمنة. كلمات السر القوية هي المؤلفة من جُمَل كاملة فيها أرقام ومساحات وحروف كبيرة وصغيرة وخاصة.

استعمل كلمة سر مختلفة في كل موقع تلج إليه. وإلا، فسيستطيع القرصان إذا عرف كلمة سر واحدة أن يدخل إلى كل حساباتك. لا تخزن كلمات السر هذه في ملف Word أو أي شيء مشابه على حسابك. هذه الملفات لا يصعب على القراصنة قراءتها.

يمكنك أن تستعمل برامج مثل 1Password، أو Bitwarden، أو KeePass (مجاني ومفتوح المصدر). هذه البرامج هي قواعد بيانات معمّاة لكلمات السر، يمكنك أن تولّد وتخزّن فيها كل كلمات سرك، وليس عليك أن تتذكر إلا كلمة سر واحدة لتفتحها.

رمز التعريف الشخصي PIN

استعمل رمز تعريف شخصي لمحفظتك البرمجية حتى لا يستطيع أحد الدخول بسهولة إليها من جهازك.

التحقق بخطوتين 2FA

استعمل التحقق بخطوتين لتؤمن كل حساباتك. لا تستعمل الرسائل القصيرة خطوةً ثانية فقد يتعرض خطك لهجوم تبديل الشريحة. ثبّت بدلًا من ذلك تطبيق تحقق يستعمل OTP أو TOTP، على هاتفك.

تبديل الشريحة

تبديل الشريحة هو عندما يقرصن أحد خطك ورقم هاتفك. في هذه الحالة، يستطيع المخترق أن يستعمل رقم هاتفك ويدخل إلى كل حساباتك المتصلة به باستخدام التحقق بخطوتين. هذه الهجوم يهدف عادة إلى الدخول إلى عنوان بريدك الأساسي. إذا استطاع المهاجم الوصول إلى هذا البريد المرتبط برقم هاتفك، كان في استطاعته الدخول إلى منصة التداول المرتبطة بعنوانك ورقم هاتفك، ليسرق منها كل أموالك بعد ذلك.

يبدأ هذا الهجوم عادة بأن يتصل المهاجم بشركة الاتصالات التي تستعملها، ويقول شيئًا من قبيل: «أنا اصاحب هذا الرقم، وقد خسرت هاتفي فانقلوا الرقم رجاءً إلى هذه الشريحة الجديدة». عندئذ سيسأل موظف الخدمات المهاجم عن بعض المعلومات للتحقق من الهوية. عندها يحاول المهاجم كثيرًا من الحيل. يحتال المهاجمون على موظف الخدمات حتى يحصلوا على بعض المعلومات منهم، ثم يغلقون الخط ويحاولون الوصول إلى المعلومات من أطراف أخرى، لينتقلوا إلى المرحلة التالية. يستمر المهاجمون في بناء معلوماتهم حتى يستطيعوا إقناع آخر الموظفين أنهم هم أصحاب الخط الأصليون ليُنقَل الرقم إلى الشريحة الجديدة.

ينطلق المهاجمون بعد ذلك إلى كل منصات التداول التي يمكنك الدخول إليها باستعمال عنوان بريدك الإلكتروني ورقم هاتفك.

عندما يعرفون عنوان بريدك، سيحاولون تغيير كلمة سره باستخدام أداة «نسيت كلمة السر». المواقع الجيدة لن تخبرهم إذا كان الحساب موجودًا أو غير موجود. سيحاول المهاجمون تغيير كلمة المرور أو الدفع إلى التحقق برسالة نصية.

ماذا أستطيع أن أفعل؟ مثال لمستخدمي Gmail

أقفل حسابك البريدي الأساسي وأزل رقم هاتفك من الحساب. هنا شرح الإزالة: https://anita.link/removegmail. استعمل كلمة سر مختلفة لكل موقع أو خدمة. إذا كنت من مستخدمي Gmail يمكنك استعمال برنامج غوغل للحماية المتقدمة، الذي يحمي من الهجومات الإلكترونية الموجهة.

هجومات التصيد الاحتيالي

في عام 2020، اختُرقت قاعدة بيانات قسم التسويق في شركة العتاد الفرنسية Ledger. الأجهزة آمنة، لكن آلاف العناوين البريدية وأرقام الهواتف والعناوين المنزلية سُرّبت ويمكن أن يجدها أي امرئ على الإنترنت. هذه كارثة كبرى لعلوّ احتمال أن يكون الذين يطلبون محفظة من الشركة مالكين لشيء من البيتكوين أيضًا. في أسوأ الأحوال، «سيزورك أحد» في بيتك. الأرجح أن تهدَّد بعض التهديدات بالبريد وغيره. لمنع هذا، تذكر أنك غير محتاج إلى استعمال عنوانك الجغرافي عند طلب أي منتج متعلق بالبيتكوين، كالمحافظ العتادية. يمكنك أن تعدّ لنفسك صندوق بريد بعيدًا عنك. ستجد في الولايات المتحدة بعض الخدمات التي تتسلّم الطرود البريدية عنك. إذا استطعت، فلا تستخدم حتى اسمك الحقيقي عند الطلب. احصل على رقم هاتف ثانوي واستعمله عندما يطلب البائع رقمًا. أعطه عنوان بريد لا تستعمله لغير هذا الغرض.

هجومات التصيد الاحتيالي هي محاولات لإخافتك أو التلاعب بمشاعرك حتى تدخل بذرتك في موقع المهاجم. مثلًا، قد تتسلم بريدًا يقول: «لقد اختُرق جهازك أو تعطّل، أدخل هنا بذرتك المكونة من 12 كلمة لتنقذ أموالك»، أو «لقد اكتشفنا سحبًا كبيرًا من محفظتك. أمامك 24 ساعة لتصدّق هذا السحب. معذرة، لن نستطيع الوصول إلى محفظتك لأنها معطلة على ما يبدو. سنسمح بعملية السحب ما لم تبدأ عملية الاستعادة، أعطنا كلماتك الـ24» أو «لقد تلقيت منحة. المال آت إلى حسابك، كل ما عليك هو إثبات هويتك، ابدأ عملية الاستعادة وأعطنا كلمات بذرتك».

الشكل [^70] رسالة تصيد بريدية

يحاول المهاجمون أن يحثوك على التصرف مباشرة دون تفكير. إذا تلقيت رسالة من هذا القبيل، فتوقف. لا تفعل شيئًا. لا يستطيع أحد أخذ مالك، ولا أن يعطّل محفظتك العتادية. هذه هي الفكرة وراء البيتكوين أصلًا: عملة لامركزية.

لا تثق بالبريد الإلكتروني! وخصوصًا: لا تضغط على الروابط المرفَقة.

احفظ في متصفحك المواقع الحقيقية للشركات التي تتعامل معها. أو أدخل العنوان بنفسك في المتصفح وتحقق من شهادة SSL. سيرسلك المهاجمون إلى موقع مزيف يبدو كالموقع الحقيقي. لن تلاحظ فرقًا سوى عنوان الموقع. من أحدَث الحيل في هذا المجال استعمال حروف تشابه في مظهرها حروف الموقع الأصلي. على سبيل المثال، هل تلاحظ النقطة تحت حرف l في كلمة electrum؟ إذا فتحت هذا الموقع سترى electrum.org، لكنك في الحقيقة تزور xn--eectrum-9hb.org.

الشكل [^71]

ستحذرك بعض المتصفحات مثل أوبرا وكروم، لكن فيرفكس لن يحذرك تلقائيًّا. يمكنك أن تغير هذا بتفعيل خيار «punycode»، فيه. انظر هناopen in new window.

المراجع


  1. Illustration NetGuardians retrieved April 2017open in new window ↩︎

  2. Anita Posch, credits: University of Nicosia, MOOC in Digital Currency, “A brief history of money” with image: Lotus Head, CC BY-SA 3.0, wikimedia.org ↩︎

  3. Image: "Stone Money of Uap, Western Caroline Islands." - Dr. Caroline Furness Jayne took this photograph during a 1903 stay on Yap, Public domain, via Wikimedia Commons ↩︎

  4. Wikipedia Rai stonesopen in new window ↩︎

  5. [University of Nicosia, Introduction to Digital Currencies, Session 1, p. 15] ↩︎

  6. Debt to GDP ratio, JS Bloklandopen in new window ↩︎

  7. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. 7. ↩︎

  8. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. xvii ↩︎

  9. Monetary Baseopen in new window ↩︎

  10. Global Monetary Base, Crypto Voicesopen in new window ↩︎

  11. FRED, M2 Money Stockopen in new window ↩︎

  12. Lyn Alden, Ponzi schemeopen in new window ↩︎

  13. Lyn Aldenopen in new window ↩︎

  14. US Consumer Price Indexopen in new window ↩︎

  15. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. 253. ↩︎

  16. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. 249. ↩︎

  17. Lyn Alden, The Structure of the Global Monetary Systemopen in new window ↩︎

  18. Lyn Alden, Petrodollar System (1974-Present)open in new window ↩︎

  19. Anita Posch ↩︎

  20. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. 1. ↩︎

  21. Collusion, by Nomi Prins, Bold Type Books, 2019, p. 247. ↩︎

  22. Anita Posch, Source The Merkleopen in new window, Hashcash.orgopen in new window ↩︎

  23. Anita Posch inspired by Melanie Swanopen in new window ↩︎

  24. Source Andreas M. Antonopoulosopen in new window ↩︎

  25. Source: Instiopen in new window ↩︎

  26. Source plan99.netopen in new window ↩︎

  27. Source Charlie Bilelloopen in new window ↩︎

  28. Source CoinGeckoopen in new window, June 7, 2021 ↩︎

  29. Source Pladizowopen in new window ↩︎

  30. Source CoinGeckoopen in new window, June 7, 2021 ↩︎

  31. Source CoinMarketCapopen in new window, June 7, 2021 ↩︎

  32. Source Cambridge Center for Alternative Finance, 3rd Global Cryptoasset Benchmarking Study, Fig. 34, Illustration: Anita Poschopen in new window ↩︎

  33. Source Statistaopen in new window ↩︎

  34. 2nd global cryptoasset benchmarking studyopen in new window ↩︎

  35. ↩︎
  36. Clifford Stollopen in new window ↩︎

  37. Wikipedia, Democracy Indexopen in new window ↩︎

  38. International Monetary Fund, Inflation rateopen in new window, requested on April 26th, 2021 ↩︎

  39. Trading volume on P2P Bitcoin exchanges in Sub-Saharan countries from May 2020 to April 2021open in new window, requested on April 26th, 2021 ↩︎

  40. [World Bank, Sending money from South Africa to Zimbabwe](https://remittanceprices. worldbank.org/en/corridor/South-Africa/Zimbabwe), requested on April 26th, 2021 ↩︎

  41. BNY Mellon Supports Global Push for Financial Gender Equalityopen in new window ↩︎

  42. Georgetown Journal of International Lawopen in new window ↩︎

  43. World Bank, Global ID Coverage, Barriers, and Use by the Numbers : An In-Depth Look at the 2017 ID4D-Findex Surveyopen in new window ↩︎

  44. [World Bank, The Little Data Book on Financial Inclusion 2018]:(https://openknowledge. worldbank.org/bitstream/handle/10986/29654/LDB-FinInclusion2018.pdf) ↩︎

  45. World Bank, The Global Findex Database Measuring Financial Inclusion and the Fintech Revolution 2017open in new window ↩︎

  46. William Stanley Jevonsopen in new window ↩︎

  47. Sourceopen in new window ↩︎

  48. Ryan Walkeropen in new window ↩︎

  49. Anita Posch ↩︎

  50. Anita Posch, inspired by Andreas M. Antonopoulos ↩︎